بعد 100 عام من البحث… العلماء يصوّرون أخيرًا الحبار العملاق في أعماق البحر — والمفاجأة؟ إنّه مجرد طفل!

4 د
بعد قرن من الانتظار، تم تصوير الحبار العملاق الحي لأول مرة في التاريخ.
التقط فريق بحثي لقطات فيديو حية لحبار عملاق صغير في أعماق المحيط.
يمتلك الحبار العملاق قدرة فريدة على التحكم بلونه للتخفي وصيد الفريسة.
تم تصوير الحبار على عمق 600 متر باستخدام مركبة روبوتية خاصة.
يأمل العلماء برصد حبّار عملاق بالغ في المستقبل لمزيد من الفهم العلمي.
بعد مرور نحو مئة عام من البحث المتواصل والترقب الطويل، تمكن فريق بحثي للمرة الأولى في التاريخ من التقاط لقطات فيديو حيّة نادرة لأحد أكثر المخلوقات البحرية غموضاً وإثارة: الحبّار العملاق (Colossal Squid)، هذا الكائن الضخم الذي يعيش بعيداً عنا في أعماق المحيط حول القارة القطبية الجنوبية.
هذه اللقطات المصورة لا تظهر حباراً بالغاً عملاق الحجم كما قد تتصور، بل لمولود صغير لا يتجاوز حجمه قدماً واحداً، وهو ما أثار دهشة العلماء بشكل كبير.
ماذا تعرف عن الحبّار العملاق؟
ربما تساءلت يوماً عن الفرق بين "الحبار العملاق" و"الحبار الضخم" أو الـ(Colossal Squid)، وهو في الواقع أكبر كثيراً من الحبّار العملاق المعروف في الأساطير البحرية والقصص الشعبية، والذي اشتهر بمعاركه مع حيتان العنبر. الحبّار الضخم الذي نتحدث عنه اليوم من أكبر اللافقاريات على وجه الأرض؛ إذ يمكن أن يصل طوله إلى حوالي 7 أمتار ووزنه إلى أكثر من 500 كيلوغرام.
ساهمت ندرة ظهوره وطريقة حياته الغامضة في جعله لغزاً علمياً كبيراً، فمنذ اكتشاف وجوده لأول مرة قبل نحو 100 عام من قِبل الصيادين الذين عثروا على أجساد شبه متحللة منه، لم يحظَ العلماء مطلقاً برؤيته وهو على قيد الحياة في بيئته الطبيعية، حتى هذه اللحظة التاريخية.
كيف التُقطت هذه المشاهد الأولى؟
في التاسع من مارس الماضي، وخلال رحلة بحثية استمرت 35 يوماً في منطقة جزر ساندويتش الجنوبية القريبة من القطب الجنوبي، نجح فريق علمي دولي ضمن مشروع"تعداد المحيطات" (Ocean Census) في توثيق هذه اللحظة التاريخية. استخدم الفريق مركبة روبوتية مسيرة عن بعد والمعروفة باسم SuBastian، والتي كانت تعمل من على متن السفينة "فالكور تو" (Falkor (too)) التي صُممت خصيصاً للبحث العلمي واكتشاف الكائنات البحرية الجديدة.
على عمق حوالي 600 متر تحت سطح البحر، التقطت الكاميرا هذا المخلوق المدهش لأول مرة وهو يسبح بهدوء تام. وسرعان ما تمت مراجعة الفيديو من قِبل اثنين من أبرز خبراء الأحياء البحرية المختصين بالكائنات العميقة وهما الدكتورة كات بولستاد، الباحثة في جامعة أوكلاند للتكنولوجيا بنيوزيلندا، والعالم آرون إيفانز، المتخصص في حبّار الزجاج الذي ينتمي إليه الحبار العملاق.
لحظات من الحماس والإثارة العلمية
وصفت بولستاد هذا الاكتشاف بأنه "من أبرز الإنجازات وأكثرها إثارة في مسيرتها"، حيث أوضحت في لقاءٍ صحفي بأن هذا الحبار الصغير يتمتع بعيون متوهجة رائعة، تمكن العلماء خلالها من رؤية لمعان وبريق طبيعي لأعين الحيوان بسبب انعكاس الضوء.
ولاحظ الباحثون وجود بقع بلون الصدأ على جسده الشفاف، وهي خلايا يمكن للحبّار بواسطتها التحكم بلونه بين الشفاف والغامق حسب حاجته، وهي آلية مميزة تساعده في التخفي وصيد الفرائس. كذلك، تعرف العلماء على هوية الحبّار بفضل الخطاطيف البارزة على أذرعه، والتي تُميز هذا النوع تحديداً عن أي نوع آخر من الحبّار.
من جانبه، وصف إيفانز اللحظة مازحاً بأنه "بدأ بالتنفس بشكل سريع من شدّة الحماس"، وذلك بعدما تأكد من نوعية الحيوان الذي يشاهده، موضحاً أنه من الصعب جداً العثور على هذا المخلوق، لأنه عادة يبتعد سريعاً كلما لاحظ وجود أجسام غريبة، مما ساهم في صعوبة رصده طوال السنوات الماضية.
عيون عملاقة للمراوغة والنجاة
الحبار العملاق يمتلك أكبر عيون بين جميع المخلوقات على الأرض، حية كانت أو منقرضة، وتُعتبر هذه العيون الضخمة جزءاً من قدراته الاستثنائية للبقاء والنجاة في بيئة مظلمة تماماً، وتساعده على رصد أي أجسام غريبة ليهرب منها سريعاً قبل اكتشافه، وهذا تحديداً ما أدى لندرته وغموض حياته لدى العلماء.
وعن هذا الجرو الصغير للتوثيق، أكدت بولستاد أن تصرفاته بدت غير مهددة، فقد كان يراقب المركبة بهدوء "وكأنه ينتظر ما ستفعله"، على حدّ قولها.
رحلة البحث في المستقبل: ماذا ينتظر العلماء؟
بالطبع، يعتقد الباحثون أنهم مع مواصلة الجهود سيُصورون في المستقبل القريب حبّاراً عملاقاً في مراحل العمر المتقدمة وبأحجام ضخمة، وعندها ربما تعود القصص والأساطير البحرية بقوة. لكن هذه المرة، من وجهة نظر علمية واضحة تنقل للعالم صورة أكثر واقعية ودقة عن هذا الكائن الفريد العبقري في الاختباء والتكيّف.
في النهاية، جاء هذا الحدث ليُظهر أن عالَم البحار والمحيطات ما يزال يحمل الكثير للأجيال القادمة، ومازال هناك الكثير من الأسرار البيئية التي تنتظر أن نكتشفها سويًا.