ذكاء اصطناعي

بعد 125 عامًا من الغموض: علماء الرياضيات يحلون مشكلة فيزيائية بتوحيد ثلاث نظريات رئيسية

بعد 125 عامًا من الغموض: علماء الرياضيات يحلون مشكلة فيزيائية بتوحيد ثلاث نظريات رئيسية
مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

ظلّ علماء الرياضيات والفيزياء حائرين لعقود في لغز حركة السوائل والغازات.

اقترح ديفيد هيلبرت عام 1900 معضلة توحيد أسس رياضية واضحة للفيزياء.

قام ثلاثة باحثين شباب بتوحيد ثلاث نظريات أساسية تفسر حركة السوائل.

قدّم الباحثون إثباتًا رياضيًا يربط بين السلوك الفردي والإحصائي والكلي للسوائل.

يُعد هذا الاكتشاف إنجازًا عظيمًا، يفتح آفاقًا جديدة في مجالات متعددة.

هل تساءلت يومًا كيف تتحرك السوائل مثل الماء أو الغازات مثل الهواء؟ ربما يبدو لك الأمر بسيطًا وواضحًا، لكن في الواقع، ظلّ علماء الفيزياء وعلماء الرياضيات حائرين أمام لغز معقد مرتبط بحركة السوائل منذ أكثر من قرن. وأخيرًا، يبدو أن هذه الحيرة الطويلة أوشكت على الانتهاء!


بداية اللغز... مع قائمة أسئلة شهيرة عمرها مئة عام

عام 1900، اجتمع علماء الرياضيات من أنحاء العالم في العاصمة الفرنسية باريس، في مؤتمر كبير يُسمّى المؤتمر الدولي للرياضيات. وكان من بين أبرز المتحدثين العالم الألماني الشهير ديفيد هيلبرت الذي اقترح خلال المؤتمر لائحة شهيرة بـ 23 معضلة رياضية غير محسومة، حاثًّا علماء المستقبل على إيجاد حلول جريئة وتفسيرات واضحة حول هذه الأسئلة الغامضة.

ومن بين هذه المعضلات، برزت المعضلة السادسة بشكل خاص؛ إذ طلب هيلبرت من الباحثين إيجاد أسس رياضية قوية وقاطعة للفيزياء. بكلمات أبسط، كان طموح هيلبرت أن تتمكن الرياضيات من تقديم قواعد دقيقة وبسيطة تفسر الظواهر الطبيعية بوضوح تام وبدون شك أو افتراضات مبهمة.

ومنذ ذلك اليوم، بات تحديًا كبيرًا يُؤرّق كبار العلماء في فهم وتفسير كيفية تحرّك السوائل والغازات بشكل علمي ودقيق، من خلال ربط ومزج المفاهيم الرياضية والفيزيائية على مستويات مختلفة.


حلقة الوصل: فريق من ثلاثة باحثين شباب يُحدث ثورة!

والآن، وبعد مرور حوالي 125 عامًا، قام ثلاثة من الباحثين الشباب بتحقيق ما كان يبدو مستحيلاً خلال عقود طويلة. الباحثون الثلاثة، يو دينغ من جامعة شيكاغو، وزاهر هاني وشياو ما من جامعة ميشيغان، أعلنوا في مارس 2025، عن تحقيقهم نقلة نوعية في حل هذا اللغز العلمي العريق.

الباحثون تمكنوا من إيجاد إطار رياضي جامع ومتين، استطاعوا عبره توحيد ثلاث نظريات أساسية مختلفة تفسر حركة السوائل، وهو ما يُعد إنجازًا علميًا بارزًا تنتظره أجيال من الباحثين.


ما هي هذه النظريات التي نجحوا في توحيدها؟

تصف هذه النظريات حركة السوائل والغازات بثلاث طرق مختلفة تمامًا:

  • أولاً، على المستوى المجهري، يمكن التعامل مع السوائل كجزيئات فردية تُطبَّق عليها قوانين نيوتن للحركة، وهي طريقة دقيقة لفهم حركة كل جزيء على حدة، لكنها ليست عملية حين يكون العدد هائلًا بشكل لا يمكن تصوره.
  • ثانيًا، يظهر هنا دور عالم الفيزياء النمساوي لوفيغ بولتزمان، الذي طرح في عام 1872 ما يُعرف بـ"معادلة بولتزمان"، وهي معادلة إحصائية تتعامل مع آلاف وملايين الجسيمات مرة واحدة وتصف سلوكها بشكل كلي ومنتظم دون الاضطرار للتعامل معها بشكل فردي.
  • ثالثًا، هناك المنظار الأكبر، حيث لا يتم النظر إلى الجزيئات الفردية إطلاقًا وإنما تُعتبر السوائل والغارات كمواد متماسكة مستمرة، وتُستخدَم هنا معادلات أويلر ونافيير-ستوكس الشهيرة والواسعة الاستخدام في الهندسة، مثل تصميم الطائرات والتنبؤ بأحوال الطقس.

توحيد النظريات.. خيط ذهبي لإنجاز عظيم!

لأكثر من قرن بقي العلماء عاجزين عن ربط هذه المقاربات الثلاث المتباينة بمظلة علمية واحدة. لكن، ما فعله هؤلاء الباحثون هو تقديم إثبات رياضي قوي وحاسم يربط بوضوح بين المستويات الثلاثة: السلوك الفردي للجزيئات، السلوك الاحصائي للجزيئات معًا، والسلوك الكلي المستمر للسوائل.

وبمعنى مبسط، وفر الباحثون لكافة النظريات السابقة أرضية حسابية ورياضية صلبة وواضحة تضع نهاية لأي شكوك أو افتراضات مبهمة، وتُثبت أن هذه الطرق والنظريات الثلاثة تتوافق معاً وتندمج في صيغة رياضية واحدة جامعة.


ماذا يعني هذا الإنجاز؟

ذو صلة

إن أهمية هذا الاكتشاف كبيرة ومتعددة الجوانب؛ أولاً، إنه يحقق بشكل كبير حلم هيلبرت القديم حول تأسيس الفيزياء رياضيًا بشكل صارم وواضح. ثانيًا، سيساعد هذا الحل على فتح آفاق جديدة في فهم وتطوير الأجهزة والتقنيات الهندسية في مجالات مختلفة كصناعة الطيران وتحسين دقة التنبؤات الجوية والبيئية، وربما أكثر من ذلك بكثير في المستقبل.

ختامًا، فإن خطوة فريق الباحثين هذا هي بلا شك واحدة من أبرز الإنجازات العلمية التي شهدناها في السنوات الأخيرة. فبعد أكثر من قرن من الجدل والبحث، وأجيال من العلماء الذين حاولوا التوصل إلى الحل، استطاع ثلاثة من الشباب الباحثين - وبكثير من المثابرة والإبداع - أن يكتبوا صفحة جديدة من صفحات التاريخ العلمي.

ذو صلة