بعد 20 عاماً من الصمت… امرأة تتحدث من جديد عبر غرسة دماغية تقرأ الأفكار

3 د
استعادت امرأة أمريكية قدرتها على "النطق بالتفكير" بعد 20 عاماً من فقدانها الصوت إثر جلطة دماغية.
تحلل تقنية BCI الجديدة إشارات الدماغ كل 80 ميلي ثانية وتحوّلها إلى صوت طبيعي في الزمن الحقيقي.
لا يتطلب النظام حركة الشفاه أو محاكاة النطق، ويستخدم صوت المريضة الأصلي المُسجّل سابقًا.
رغم التقدم الكبير، لا تزال التقنية بحاجة إلى تحسينات قبل اعتمادها سريريًا على نطاق واسع.
بعد قرابة عقدين من إصابتها بجلطة دماغية في جذع الدماغ أفقدتها القدرة على النطق تماماً، استعادت امرأة أمريكية تبلغ من العمر 47 عاماً إمكانية تحويل أفكارها إلى كلمات منطوقة بشكل لحظي، وذلك بفضل تقنية متطورة تعتمد على واجهة دماغ-حاسوب (BCI) تُعد من أبرز الاختراقات العلمية في مجال طب الأعصاب والتقنيات المساعدة، وقد نُشرت تفاصيل هذه الدراسة الثورية في مجلة Nature Neuroscience العلمية الرائدة.
ثورة في التواصل: من التفكير إلى النطق خلال أجزاء من الثانية
التقنية الجديدة، التي طورها باحثون في جامعتي كاليفورنيا – بيركلي وسان فرانسيسكو، تعتمد على تحليل النشاط الدماغي للمريضة في فواصل زمنية لا تتجاوز 80 ميلي ثانية، ومن ثم تحويل هذا النشاط العصبي إلى صوت اصطناعي يُحاكي صوتها الحقيقي المسجّل قبل إصابتها.
هذا الإنجاز غير المسبوق يتجاوز أحد أكبر التحديات التي واجهت سابقًا تقنيات الترجمة العصبية، ألا وهو التأخير الزمني في تحويل الأفكار إلى كلمات، وهو تأخير كان يعيق المحادثات الطبيعية ويجعلها بطيئة وغير مريحة.
حاجز النطق: مشكلة عصبية بتأثير إنساني عميق
القدرة على تحويل الأفكار إلى كلمات تُعتبر من الوظائف العصبية التي نُمارسها بلا وعي، ولا ندرك أهميتها إلا حينما تختفي. وفي حالات مثل التصلب الجانبي الضموري (ALS) أو إصابات الجهاز العصبي المركزي، يفقد المريض السيطرة على عضلات النطق رغم احتفاظه بقدرات عقلية سليمة، مما يجعله سجين أفكاره.
وقد شكلت هذه الفجوة الحسية دافعًا كبيرًا للعلماء لتطوير تقنيات تقوم بدور الوسيط بين الدماغ واللغة، وتسمح للمصابين بالتواصل مع العالم الخارجي من دون الحاجة إلى تحريك عضلات الوجه أو النطق الصوتي.
ابتكار تقني يتخطى القيود القديمة
معظم المحاولات السابقة لترجمة إشارات الدماغ إلى كلام اصطدمت بعقبة أساسية: الحاجة إلى انتظار جملة كاملة لتحليلها قبل تحويلها إلى صوت. هذا الأسلوب، رغم دقته النسبية، أبطأ التواصل إلى حد كبير.
لكن الفريق البحثي بقيادة المهندس الحاسوبي "كايلو ليتلجون" من جامعة كاليفورنيا، تمكّن من تجاوز هذا العائق من خلال تدريب شبكة عصبية عميقة على إشارات القشرة الحركية-الحسية للمرأة أثناء تفكيرها الصامت في 100 جملة من مفردات تتجاوز 1000 كلمة، دون الحاجة لأن تحرك شفتيها أو تحاول النطق فعلياً.
التواصل اللحظي بصوتها الحقيقي
الميزة الأكثر إثارة في هذا النظام الجديد أنه يسمح بالتواصل "في الزمن الحقيقي"، أي ببطء زمني لا يكاد يُلحظ. كما أن الصوت الناتج يُشبه صوتها الحقيقي بفضل استخدام بيانات صوتية مسجلة لها قبل الجلطة، ما أضفى طابعًا شخصيًا وإنسانيًا على التجربة.
وإضافة إلى الجمل الحرة، استخدم الفريق أيضاً نظامًا مساعدًا قائمًا على 50 عبارة شائعة من مفردات أصغر، لتوفير أدوات تواصل سريعة وسهلة الاستخدام.
نتائج واعدة... ولكن ليست نهائية
المعدل الوسيط للكلمات المنطوقة باستخدام هذه التقنية تضاعف تقريباً مقارنة بالطرق السابقة، فيما بلغ تدفق الكلام الطبيعي ثمانية أضعاف. وحتى في التشغيل "غير الفوري" دون قيود زمنية، استطاع النظام تفسير إشارات دماغية لجمل لم يسبق تدريبه عليها صراحة، ما يُبشر بإمكانيات تعميم أكبر مستقبلاً.
رغم ذلك، يشير الباحثون إلى أن الطريق لا يزال طويلاً قبل أن تصبح هذه التقنية جاهزة للاستخدام السريري الواسع. فالوضوح الصوتي لا يزال أقل من أنظمة الكتابة الدماغية، وهناك حاجة إلى تحسينات تتعلق بالدقة، وسرعة الاستجابة، وملاءمة النظام للاستخدام اليومي.
المستقبل: من الصمت إلى الغناء؟
الاختراق الذي تحقق يفتح الباب أمام ملايين الأشخاص حول العالم ممن فقدوا صوتهم لأسباب مرضية، لإعادة التواصل بشكل طبيعي ومشابه لأصواتهم الأصلية. فبعد أن كان التواصل بالنسبة لهؤلاء يقتصر على الإيماءات أو الوسائل البصرية، بات بالإمكان التفكير فقط... ليُترجم الفكر إلى كلام بشري حي.