ذكاء اصطناعي

بعد آلاف السنين من النباح والزقزقة… أخيرًا بدأنا نفهم ما يقولونه

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف العلماء أن قرود البونوبو تستخدم جمل صوتية تحمل معاني معقدة.

أظهر الذكاء الاصطناعي قدرة على فهم الأصوات الحيوانية، مثل نقرات الحيتان.

مشروع CETI يهدف إلى ترجمة أصوات الحيتان إلى سلوكيات مفهومة.

النقاش يتوسع ليشمل إمكانية تواصل ثنائي بين البشر والحيوانات.

الذكاء الاصطناعي قد يفتح أبوابًا جديدة للتواصل مع الكائنات الأخرى.

في أعماق غابات الكونغو الممطرة، اكتشف الباحثون أن قرود البونوبو لا تكتفي بالصياح أو الصراخ الفردي، بل تقوم بدمج أصواتها في جُمل قصيرة تحمل معنى مركباً، أشبه بلبنات أولية للغة. هذا الاكتشاف، إلى جانب دراسات على الحيتان والطيور، يدفع العلماء إلى التساؤل: هل ما نراه مجرد أشكال متقدمة من التواصل الحيواني أم بدايات ما يمكن وصفه بـ"لغة" كاملة؟

وهذا يقودنا إلى دور الذكاء الاصطناعي الذي بدأ يفتح نافذة جديدة على عالم الأصوات الحيوانية المعقدة ويمنحنا فرصة لفهمها بطريقة غير تقليدية.


أصوات تحمل معاني مركبة

الدراسة التي نشرتها مجلة Science أظهرت أن البونوبو قادرة على ربط أصوات أساسية مثل الصيحة الداعية إلى التعاون مع التنهيدة التي تعبّر عن الانتباه، لتصبح النتيجة "عبارة" تدعو الآخرين للقيام بنشاط جماعي. بل إن بعض التركيبات تغيّر المعنى الأصلي للصوت، فتُستخدم كوسيلة للصلح أو لطلب التقارب الاجتماعي. هذه الظاهرة المعروفة بالـ"تركيبية" في علم اللغة كانت تُعتبر سابقاً حِكراً على الإنسان.

ومن هنا، يمكننا الربط إلى الحالات الأخرى التي رُصدت لدى الطيور أو الشمبانزي، حيث أظهرت تجارب أنهم يجمعون بين أصوات للتحذير والاستدعاء لإنشاء رسالة جديدة تنقل معنى محدداً.


الحيتان ولغز النقرات

بعيداً عن الغابة، يتابع مشروع CETI غير الربحي تسجيل ورصد أصوات حيتان العنبر في الكاريبي. هذه الحيتان لا تصدر هديرًا كما قد نتخيّل، بل تنقر بأصوات قصيرة تُسمى "كودا"، تختلف في الإيقاع والسرعة. المفاجأة أن أنماط هذه الأصوات قد تشبه ما نسميه "أبجدية صوتية"، وربما تحتوي على ما يعادل الحروف المتحركة في لغتنا. باحثو المشروع استعانوا بنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية لمحاكاة أصوات الحيتان على أمل ترجمتها وربطها بسلوكيات مثل الصيد أو التواصل العائلي.

وهذا يمهّد الطريق لفكرة أكبر: ربما لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على الإصغاء، بل قد يُستخدم لاحقاً لمحاولة "الرد" بلغات الحيوانات نفسها.


حدود اللغة بين الإنسان والحيوان

لكن تظل هناك فجوة واسعة. فخصائص أساسية مثل "الإحالة إلى أشياء غير موجودة"، أو ما يُعرف بالإزاحة، لم تثبت بعد لدى أي نوع غير بشري. كذلك لم تُرصَد إنتاجية هائلة في تكوين جُمل جديدة كما نفعل نحن البشر. حتى القواعد النحوية أو القدرة على إنتاج استعارات ما زالت حكراً على لغاتنا. رغم ذلك، تجارب مع الغربان والقرود أوحت بقدرات ذهنية متقدمة تمهّد الطريق لفهم أعمق.

وهنا نرى كيف أن النقاش لا يدور فقط حول الأصوات، بل حول أسس التفكير الحيواني وهل يمكن أن يكون هذا نوعاً من اللغة أو مجرد تواصل متطور.


الذكاء الاصطناعي كجسر محتمل

أدوات التعلم الآلي والشبكات العصبية أصبحت اللاعب الأساسي في هذه الثورة العلمية. بفضلها يستطيع الباحثون تحليل آلاف الساعات من التسجيلات الصوتية ورصد أنماط دقيقة يتعذّر على الأذن البشرية تمييزها. مشاريع مثل Earth Species Project في كاليفورنيا أو CETI في نيويورك تتبنى طموحاً أبعد من المراقبة: بناء قواميس حقيقية للغات الحيوانات وفتح قناة تواصل ثنائية معها.

ذو صلة

وهذا يعيدنا للسؤال الأول: إذا تمكنّا من فهم أصوات الحيوانات والرد عليها بطريقة مفهومة، فهل يعني ذلك أننا بدأنا فعلاً نتحدث مع كائنات أخرى على سطح الكوكب؟

في النهاية، يكشف البحث المتزايد حول أصوات البونوبو، كودات الحيتان، وصيحات الطيور أن الحدود بين لغة البشر وتواصل الحيوانات ليست بالوضوح الذي اعتقدناه طويلاً. وبينما يظل الطريق طويلاً قبل إعلان وجود "لغة" حيوانية كاملة، يمنحنا الذكاء الاصطناعي أدوات قوية قد تغيّر علاقتنا بعالم الأحياء وتفتح الباب لتواصل جديد لم يخطر لنا من قبل.

ذو صلة