ذكاء اصطناعي

أقوى موجة جاذبية في التاريخ تكشف أسرار الثقوب السوداء وتُثبت نظرية هوكينغ

محمد كمال
محمد كمال

4 د

التعاون بين مراصد ليغو وفيرغو وكاغرا يكتشف أقوى موجة جاذبية مسجلة.

الحدث GW250114 ناتج عن تصادم ثقبين أسودين، يفوق وزنهما كتلة الشمس.

النتائج تؤكد صحة نظرية هوكينغ حول زيادة مساحة سطح الثقوب السوداء.

تقدّم تقنيات الرصد دقة استثنائية لاختبار المبادئ الفيزيائية الكبرى.

موجة GW250114 تفتح آفاقاً جديدة لفهم مكونات الكون العميقة.

في لحظة من تلك اللحظات التي يتوقف عندها الزمن العلمي، أعلن التعاون العالمي بين مراصد ليغو وفيرغو وكاغرا عن رصد أقوى موجة جاذبية سجلتها البشرية حتى الآن، في حدث أصبح بمثابة جسر يربط بين أعماق الكون وأساسيات نظرية ستيفن هوكينغ حول الثقوب السوداء.

ففي الرابع عشر من يناير 2025، التقط العلماء حدثاً فلكياً مذهلاً حمل اسم GW250114، كان بمثابة صدى كوني خرج من مصادمة ثقبين أسودين، كل منهما يفوق كتلة الشمس عشرات المرات. يتردد صدى هذا الاكتشاف في كل الأوساط العلمية، لأنه لم يكن مجرد إنجاز تقني مذهل في علم الفلك، بل جاء ليمنح دليلاً تجريبياً قوياً على أن نظرية المنطقة التي طرحها ستيفن هوكينغ قبل عقود لم تكن مجرد معادلة على ورق، بل قانون يحكم الكون من أقصاه إلى أقصاه.


لمحة عن موجات الجاذبية – زلزال كوني يفضح أسرار الثقوب السوداء

دعني آخذك عزيزي القارئ في جولة سريعة حول ما تعنيه موجات الجاذبية. هذه التموجات الكونية في نسيج الزمكان ليس من السهل التقاطها أو فهمها؛ فهي أشبه بنداء بعيد قادم من التصادمات الهائلة بين الثقوب السوداء أو النجوم النيوترونية العملاقة. منذ أن تمكن مرصد ليغو لأول مرة من رصد إحدى هذه الإشارات في عام 2015، أدرك العالم أن نافذة جديدة انفتحت أمام دراسة الظواهر الفلكية التي كانت إلى عهد قريب خارج حدود الرصد التقليدي. والآن، مع تعاون ليغو وفيرغو وكاغرا، أصبح بمقدور العلماء تقفي أثر موجات غير مسبوقة في القوة، تخرج من أعماق المجرات البعيدة.

وهنا تظهر أهمية الحدث الجديد، إذ أن موجة GW250114 لم تعكس فقط عنف الحدث الكوني الذي بلغ صداه 1.3 مليار سنة ضوئية، بل كشفت كذلك عن تفاصيل دقيقة حول الكتلة والدوران لكل من الثقبين الأسودين قبل اندماجهما—وهي تفاصيل لم تكن متاحة في الأحداث السابقة.


موجة "صاخبة" غير مسبوقة تؤكد فرضية هوكينغ

إن وصف GW250114 بأنها "صاخبة" ليس مبالغة؛ فبحسب العالمة سيمونا ميلر، المشاركة في البحث، كانت الإشارة أقوى بكثير من أي ضوضاء خلفية اعتاد العلماء على التعامل معها. تخيّل نفسك في حفل تعمّه همسات، ثم فجأة ينطلق صوت صافرة إنذار حادة تقطع الصمت. هذا بالضبط ما حدث في أجهزة الاستشعار ذات الدقة الهائلة: فقد تمكن العلماء أخيراً من تتبع كل اهتزاز وكل تغير في الكتلة والدوران، ليس فقط للثقبين قبل التصادم، بل أيضاً للثقب الأسود العملاق الذي نتج بعد الاندماج.

هذه الدقة فتحت الباب أمام اختبار عملي لفرضية هوكينغ الشهيرة: هل ترتفع مساحة السطح "الافتراضية" للثقب الأسود بعد كل اندماج؟ جاءت النتائج لتقول نعم وبكل وضوح، إذ ازدادت المساحة من 240 ألف كيلومتر مربع إلى 400 ألف كيلومتر مربع تقريباً، بما يعادل مساحة ولاية كاملة! وهذا الربط بين المشاهدات الفعلية والقوانين النظرية عزز من مصداقية ما يُعرف بـ"قانون مساحة هوكينغ" الذي طالما اعتبر اختبار صحته من أصعب تحديات الفيزياء النظرية.

وهذه الدقة في القياس تشكل بدورها إنجازاً تقنياً غير مسبوق، لأن رصد مثل هذا التغيير الطفيف من مسافة هائلة يتطلب أجهزة تنصت لا تشوبها شائبة وقدرة هائلة على تفسير البيانات.


ثورة في علم الفلك: من معادلات على الورق إلى حقائق ملموسة

ما يثير الإعجاب حقًا أن هذا الإنجاز العلمي لم يكن من المتخيل تحقيقه قبل سنوات قليلة فقط. اليوم، يمكن لأدق أجهزة الاستشعار في المرصادات الدولية أن ترصد أصغر "تموجات" في الزمكان، وتتوصل إلى نتائج بمستوى دقة يعد هو الأعلى في تاريخ العلم والتكنولوجيا حسب وصف البروفيسورة فيكي كالوجيرا من فريق ليغو.

وإذا ارتبط هذا التقدم التقني السريع بإمكانية اختبار المبادئ النظرية الكبرى في الفيزياء مثل الانتروبيا، الديناميكا الحرارية، وصفات هاوكينغ (المعروفة باسم مفاهيم الكتلة، السبين، والسعة السطحية للثقوب السوداء)، ستكون سنواتنا المقبلة مليئة بالمفاجآت والاكتشافات عن أصل الكون وأسسه العميقة.

وهذه المسيرة في تطور رصد موجات الجاذبية تمثل امتداداً لمغامرة الإنسان في فهم الكون، إذ بات بإمكاننا الآن اختبار القوانين الأعمق بدلاً من الاكتفاء بملاحظات سطحية أو حسابات رياضية خالصة.

ذو صلة

نافذة جديدة نحو فهم كوني أكبر

خلاصة الحدث أن موجة GW250114 فتحت بابًا واسعًا لفهم جديد عن مصير المادة والطاقة داخل الثقوب السوداء. تأكيد صحة قانون هوكينغ عبر تجربة رصدية دقيقة ليس مجرد انتصار نظري، بل هو دليل على أن العلم مستمر في رحلته الجريئة لفك شيفرة الكون. وبفضل تقنيات الرصد المتطورة وتعاون العلماء حول العالم، صار من الممكن أن نحلم بأجوبة على أسئلة كانت قبل أعوام قليلة فقط جزءاً من الخيال العلمي، وأصبح للإنسان اليوم القدرة على سماع صوت الكون وهمس أسراره من عوالم بعيدة وغامضة.

ذو صلة