تقنية ميتا لتحويل الأفكار إلى نصوص وصلت.. لكننا لسنا مستعدين لها على الإطلاق!

4 د
أعلنت "ميتا" عن تحقيق اختراق علمي في قراءة الأفكار باستخدام تقنيات غير جراحية.
يستخدم البحث تقنيات MEG وEEG لتسجيل النشاط الدماغي وتحويله إلى نص مكتوب.
هناك مخاوف كبيرة حول انتهاك الخصوصية العقلية إذا تم استغلال هذه التقنية تجاريًا دون تنظيم صارم.
يطالب الخبراء بضرورة وضع قوانين تحمي البيانات العصبية قبل أن تصبح هذه الأجهزة متاحة على نطاق واسع.
في خطوة تكنولوجية مثيرة للجدل، أعلنت شركة "ميتا" عن تحقيق تقدم كبير في مجال واجهات الدماغ-الآلة، حيث نجح باحثوها في فك شيفرة الجمل غير المنطوقة من الإشارات الدماغية المسجلة خارج الجمجمة، دون الحاجة إلى عمليات جراحية. هذا التطور يثير تساؤلات كبيرة حول مستقبل خصوصية البيانات العصبية، وكيفية تنظيم هذه التقنية قبل أن تصبح منتجًا تجاريًا متاحًا للجميع.
التسابق نحو قراءة الأفكار... من يقود السباق؟
لطالما كان إيلون ماسك الشخصية الأكثر جرأة في مجال واجهات الدماغ-الآلة من خلال شركته "نيورالينك"، التي زرعت شرائح دماغية في ثلاثة أشخاص حتى الآن. لكن يبدو أن مارك زوكربيرغ، مؤسس "ميتا"، يسير على خطاه بخطوات متسارعة.
منذ عام 2016، بدأت "ميتا"، التي كانت تُعرف حينها بـ"فيسبوك"، في استكشاف تقنيات قراءة الدماغ، حيث أعلنت عن مشاريع تهدف إلى تمكين الأشخاص من الكتابة عبر أفكارهم وسماع اللغة من خلال جلدهم. رغم أن الشركة تخلّت عن فكرة تطوير أجهزة استهلاكية للقراءة الدماغية منذ بضع سنوات، إلا أنها استمرت في تمويل الأبحاث العصبية، على أمل تحسين تقنيات الذكاء الاصطناعي في معالجة اللغة، الأمر الذي قادها أخيرًا إلى تحقيق اختراق علمي جديد.
اختراق علمي: قراءة الكلمات غير المنطوقة بدقة عالية
بالتعاون مع "مركز الباسك للإدراك والدماغ واللغة"، تمكن باحثو "ميتا" من فك شيفرة الجمل غير المنطوقة باستخدام تقنية تُعرف باسم "التصوير المغناطيسي للدماغ" (MEG). على عكس الطرق السابقة التي كانت تعتمد على زراعة أقطاب كهربائية داخل الدماغ، فإن هذه التقنية لا تتطلب أي تدخل جراحي، مما يجعلها أكثر واقعية للاستخدام في المستقبل.
أجرى الباحثون التجارب على 35 متطوعًا جلسوا داخل جهاز MEG أثناء كتابتهم على لوحة مفاتيح. في الوقت نفسه، تم تسجيل الإشارات الكهربائية من خلال أقطاب كهربائية تم وضعها على وجوههم وفروة رؤوسهم باستخدام تقنية "تخطيط كهربية الدماغ" (EEG). بفضل الذكاء الاصطناعي، تعلم النموذج تحليل أنماط النشاط الدماغي وربطها بالحروف التي كان الأشخاص يكتبونها.
من الترفيه إلى المراقبة: مخاوف تتعلق بالخصوصية العقلية
في المختبر، يمكن لهذه التقنية أن تكشف عن معلومات غير مسبوقة حول كيفية تشكيل الدماغ للأفكار واتخاذ القرارات. لكن عند انتقالها إلى الاستخدام التجاري، قد تصبح بيانات الدماغ أداة بيد شركات التكنولوجيا، مما يفتح الباب أمام انتهاكات خطيرة للخصوصية إذا لم يتم وضع قوانين صارمة لحمايتها.
اليوم، يمكن لـ"ميتا" فك شيفرة الحروف التي يكتبها الشخص بدقة تصل إلى 30٪ عند استخدام EEG، وترتفع هذه الدقة إلى 70-80٪ عند استخدام MEG. ورغم أن هذه الأجهزة لا تزال ضخمة ومكلفة، فإن العلماء يطورون خوذات MEG محمولة، خفيفة الوزن، قد تجعل هذه التقنية متاحة في المستقبل القريب.
ما الذي تريده شركات التكنولوجيا من أدمغتنا؟
"ميتا" ليست الوحيدة التي تستثمر في الأبحاث العصبية؛ فشركات مثل "غوغل" و"مايكروسوفت" لديها فرق مخصصة لدراسة الدماغ، بينما تتعاون "إنفيديا" و"IBM" مع معاهد أبحاث متخصصة في علم الأعصاب.
وفقًا لمؤسس "ميتا"، فإن الهدف الرئيسي من هذه التقنية هو مساعدة الأشخاص الذين فقدوا القدرة على التحدث بسبب السكتات الدماغية أو إصابات الدماغ. ولكن في الواقع، يمثل الدماغ بالنسبة لعمالقة التكنولوجيا "الحدود الأخيرة" التي يسعون لاختراقها. فبينما يحاول إيلون ماسك دمج البشر مع الآلات، يسعى مارك زوكربيرغ إلى تطوير أجهزة استهلاكية يمكنها قراءة الأفكار.
هل نحن مستعدون؟ الوقت ينفد لتنظيم هذه التقنية
حتى الآن، لم يتم وضع تشريعات كافية لحماية البيانات العصبية. في عام 2019، قال الخبير في أخلاقيات علم الأعصاب رولاند نادلر:
"فيسبوك لا يحتاج إلى أقطاب كهربائية ليقرأ أفكارك، فهو يعرف الكثير عن حالتك العقلية من خلال طريقة استخدامك للإنترنت"
اليوم، تستخدم "ميتا" الذكاء الاصطناعي لتحليل الصحة النفسية للمستخدمين، والتدخل تلقائيًا عند اكتشاف منشورات تتعلق بإيذاء النفس أو الانتحار.
لكن في المستقبل، ومع انتشار أجهزة قراءة الأفكار، قد تصبح مشاركة البيانات العصبية ضرورة للمشاركة في الحياة اليومية. تخيل سيناريو حيث تُستبدل لوحات المفاتيح التقليدية بأجهزة قراءة الدماغ في أماكن العمل، ما يجعل تجنب هذه التكنولوجيا أشبه بمحاولة العيش دون هاتف ذكي في العصر الحالي.
علينا أن نقرر الآن ما إذا كان التحكم في الأجهزة عبر أفكارنا يستحق المخاطرة بفتح آخر مساحة خاصة لدينا أمام شركات التكنولوجيا.