ذكاء اصطناعي

روبوتات بحجم الغبار… تتحدث مع بعضها بالصوت وتُشفى تلقائيًا!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

طور العلماء روبوتات مجهرية تستخدم الموجات الصوتية للتحرك بشكل متناسق.

تتميز الروبوتات بقدرتها على التعاون والتكيف والشفاء الذاتي في حال تعطلت.

تستخدم هذه التقنية في الطب والبيئة لاستكشاف المناطق الخطرة وتنظيف البيئات الملوثة.

تعتمد على نموذج حاسوبي ومحاكاة تُمكنها من التكيف مع البيئة كما تتفاعل الكائنات الطبيعية.

تشكل الروبوتات جيلاً جديدًا قادرًا على العمل بتناغم باستخدام الموجات الصوتية.

في خطوة علمية لافتة قد تغيّر ملامح الطب والبيئة، طوّر فريق دولي من العلماء نموذجاً لروبوتات مجهرية تستطيع استخدام الموجات الصوتية للتحرك في أسراب متناسقة تشبه الكائنات الحية في سلوكها. هذه التقنية الجديدة قادرة على جعل الأجهزة الصغيرة تتعاون وتتكيّف وتصلح نفسها بنفسها، ما يفتح الباب أمام استخدامات مذهلة في الطب والروبوتات والبيئة.

منذ القدم، استعملت الكائنات الحية كالخفافيش والحيتان والحشرات الأصوات للتواصل وتحديد الاتجاه. ومن هذه الفكرة، استلهم باحثون من جامعة “بِن ستيت” في الولايات المتحدة، بقيادة البروفيسور إيغور أرونسون، تصوراً جديداً لروبوتات دقيقة يمكنها أن تسبح أو تتحرك في أماكن مغلقة من خلال الاهتزازات الصوتية، فتتجمع تلقائياً وتشكل سرباً متناسقاً يتحرك بذات الإيقاع كما لو كان كائناً واحداً.

وهذا يربط بين المفهوم الحيوي في الطبيعة وبين أحدث تطور في علوم الروبوتات الدقيقة، حيث يسعى العلماء لتقليد الذكاء الجمعي الذي نراه في أسراب النحل أو أسراب الطيور.


ذكاء جماعي من الصوت وحده


الدراسة، المنشورة في مجلة *Physical Review X*، كشفت أن هذه الروبوتات الصغيرة يمكنها إعادة تنظيم نفسها إن تعطلت حركتها، وتتبع الصوت الأقوى لتعود إلى تشكيلها الأصلي. هذا الذكاء الجماعي الناشئ – أو ما يُعرف بالذكاء التفاعلي – يجعلها مثالية لمهام معقّدة مثل تنظيف البيئات الملوّثة أو استكشاف المناطق الخطرة التي يصعب على الإنسان الوصول إليها.

وهذا يتقاطع مع أحلام العلماء القديمة بتصميم تكنولوجيا دقيقة تعمل في داخل أجسامنا أو في مياه الأنهار والمحيطات وتنفذ مهاماً معقّدة دون إشراف مباشر.

إضافة إلى ذلك، قد تُستخدم هذه الروبوتات مستقبلاً داخل جسم الإنسان لتوصيل الدواء مباشرة إلى الخلايا المصابة أو الأورام، بما يقلّل من الآثار الجانبية للعلاج. قدرتها على “الشفاء الذاتي” والعودة للعمل بعد الانفصال تعني أن بإمكانها مواصلة مهمتها حتى في أصعب الظروف الحيوية.


تجربة تحاكي الطبيعة باستخدام النمذجة الحاسوبية


اعتمد الفريق على نموذج حاسوبي لرصد حركة هذه الروبوتات التي زُوّدت كل منها بمُولّد ومُستقبِل صوتي. وقد أظهرت عمليات المحاكاة أن التواصل عبر الصوت مكّنها من التكيّف مع البيئة وتبديل شكل السرب وفق الحاجة—تماماً كما تفعل الأسماك أو الطيور في الطبيعة للحفاظ على تماسكها.

وهذا الربط بين الصوت كوسيلة تواصل وبين التحكم في الأنظمة النشطة يُعد نقلة نوعية في ميدان “المادة الفاعلة”، وهو فرع علمي يهتم بدراسة السلوك الجماعي للكائنات أو الجسيمات ذاتية الحركة سواء كانت حيوية أم اصطناعية.


نحو جيل جديد من الروبوتات المقاومة


حتى الآن، جرى التحكم في مثل هذه الأنظمة الدقيقة باستخدام الإشارات الكيميائية، لكن الفريق يؤكد أن الموجات الصوتية أكثر كفاءة وأطول مدى ولا تفقد طاقتها بسهولة. فالصوت ينتقل بسرعة ويتيح للروبوتات “سماع” بعضها البعض، فينشأ تنظيم ذاتي مذهل من مكونات بسيطة للغاية، تتكوّن من محرك صغير وميكروفون ومكبر صوت ومذبذب.

وهذا الربط بين البساطة في البناء والتعقيد في الأداء يسلّط الضوء على مستقبل واعد للروبوتات الدقيقة الذكية التي يمكن أن تعمل بتناغم دون حاجة لأي نظام تحكم مركزي.

ذو صلة

في ختام الدراسة، صرّح أرونسون بأن ما تم تحقيقه يمثّل خطوة مهمة نحو تصميم روبوتات ميكروسكوبية أكثر ذكاءً وقدرة على التكيّف مع الظروف الصعبة، مؤكداً أن هذه الفهم الجديد للتنظيم الجماعي يقرّبنا من حلول مبتكرة لتحديات بيئية وطبية عالمية.

وبذلك، يبدو أن ما بدأ بفكرة تقليد سلوك أسراب النحل قد يتحول قريباً إلى واقع يدمج الصوت والذكاء الاصطناعي في أجسام آلية دقيقة، قادرة على إنقاذ أرواح وتنظيف كوكبنا في آنٍ واحد.

ذو صلة