ذكاء اصطناعي

عنكبوت بحجم رأس دبوس يملك جينومًا غامضًا قد يغيّر فهمنا للتطور

محمد كمال
محمد كمال

3 د

جذبت عناكب الطاووس في أستراليا اهتمام العلماء بتنوعها وحركاتها الراقصة.

يكشف الحمض النووي المظلم أسرار تطور العناكب وقدرتها على التكيف السريع.

يقود جوناه ووكر مشروعًا بحثيًا لربط الصفات السلوكية لعناكب الطاووس بالحمض النووي.

تظهر الأبحاث أن العناكب تتمتع بثلاثة أضعاف الحمض النووي المظلم مقارنة بالإنسان.

تكشف هذه الاكتشافات كيف يمكن للحمض المظلم أن يغير فهمنا للتنوع الوراثي والتطور.

في قلب أستراليا، حيث تكثر العجائب البيولوجية، جذبت عناكب الطاووس انتباه العلماء بفضل تنوعها اللافت وحركاتها الراقصة التي أبهرت حتى أكثر محبي التكنولوجيا تشككاً. هذه الكائنات الصغيرة بحجم رأس الدبوس ليست مجرد زينة للطبيعة بل تحمل في تركيبتها الوراثية أسراراً أثارت فضول المجتمع العلمي حول العالم. فما سر هذا التنوع؟ ولماذا تصل عدد أنواع طاووس العنكبوت إلى مئة بينما تكتفي معظم الحيوانات بخمس أو عشر أنواع فقط؟

تسلط الأضواء على مفهوم جديد نسبياً في علم الوراثة يسمى "الحمض النووي المظلم" أو الـ"Dark DNA". يشير هذا المصطلح إلى أجزاء من الشفرة الوراثية لا تحمل جينات تقليدية معروفة، لكنها - كما يبدو - تلعب دوراً محورياً في تطور الكائنات وقدرتها على التكيف. في حالة عناكب الطاووس، يعتقد العلماء أن هذا الحمض المجهول يمنحها إمكانيات خارقة للانقسام إلى أنواع متعددة والتكيف السريع مع البيئات المتنوعة، ما يجعلها نموذجاً مثالياً لفهم أسرار التنوع الحيوي.


جمال وأسرار عناكب الطاووس

من يشاهد عروض التزاوج التي يؤديها ذكر العنكبوت الطاووسي سرعان ما يقع تحت سحر الألوان المتوهجة والرقصات الإيقاعية التي تشبه عروض موسم التزاوج عند الطيور الاستوائية. ليس هذا مجرد استعراض، بل هو تعبير جيني متكامل يظهر انعكاس التنوع الوراثي على السلوك والشكل. وهذا يطرح تساؤلاً حول العلاقة بين هذه الصفات المبهرة وما تحمله هذه الكائنات ضمن حمضها النووي.

ومن هنا، يبدأ الربط بين الملاحظات السلوكية لهذه العناكب وأسئلتنا حول أصلها الوراثي. يقترح الباحثون أن أجزاء الـDNA المجهولة قد تكون المسؤولة عن ابتكار أنماط الألوان والحركات، وتقديم المفاجآت في كل جيل جديد من الأنواع.


رحلة البحث في أعماق الجينات

جاءت أكبر نقلة نوعية في مشروع بحثي يقوده جوناه ووكر من معهد سانجر البريطاني، إذ تغلب على مخاوفه القديمة من العناكب ليسافر إلى أستراليا ويجمع عينات من جميع أنواع عناكب الطاووس المعروفة. بدأ الفريق بحصر صفاتها: الألوان، الرقصات، الأصوات، ثم ربط هذه الخصائص بسلاسل الحمض النووي لكل نوع. بذلك صار العلماء قادرين على تتبع أي سمة جمالية أو سلوكية إلى موطنها الوراثي في داخل هذه المناطق المظلمة من الـDNA.

والملفت أن هذه العناكب تمتلك ثلاثة أضعاف "الحمض النووي المظلم" مقارنة بالإنسان، ما يفتح الأبواب أمام اكتشافات قد تعيد رسم خريطة فهمنا لعالم الجينات. وهنا يتلاقى هذا الجهد مع اتجاه عالمي لفك شيفرة الموروثات الجينية، كما في مشروع الجينوم الحيوي الذي يسعى لتحديد تسلسل الحمض النووي لجميع الكائنات الحية خلال العقد المقبل.

ما يميز تحليل العلماء هو الجمع بين علوم الوراثة والسلوك الحيواني وعلم البيئة. ففي الوقت الذي تبدو فيه بعض الجينات وكأنها مجرد "حواشٍ" لا نفع منها، تظهر أبحاث الحمض النووي المظلم أنها ربما تكون المحرك السري وراء القفزات التطورية السريعة وتنوع الكائنات على وجه الأرض.


لماذا يهمنا الحمض النووي المظلم؟

تثير تلك الاكتشافات تساؤلات كبيرة حول فهمنا لمسار التطور. إذا تبين أن الحمض النووي المظلم يمثل مفتاح التنوع، فهذا يعني وجوب إعادة النظر في ما كنا نعتبره "خردة وراثية" لا قيمة لها. كما أن فك ألغاز هذا الحمض قد يفسر لنا كيف تنوعت الكائنات بطرق لم يتوقعها العلم، وقد يقود مستقبلاً إلى تقنيات جديدة في الهندسة الوراثية أو استراتيجيات لحماية التنوع البيولوجي.

ذو صلة

ولأن البحث ما يزال في مراحله الأولى، يعلق العلماء آمالهم على المزيد من الاكتشافات التي قد تغير مفاهيم أساسية حول الكيفية التي تتطور بها الحياة وتنتشر فوق الأرض.

وأخيراً، عند التأمل في حركات عنكبوت صغير ملون لا يتجاوز طوله عدة ملليمترات، سندرك أن الطبيعة ما زالت تحتفظ بكثير من الأسرار، وأن فهمنا للتطور والوراثة على موعد مع ثورة علمية قد تولد من أعمق أعماق "الحمض النووي المظلم".

ذو صلة