ذكاء اصطناعي

علماء يبدأون بناء أول حمض نووي بشري صناعي: خطوة ثورية بآمال كبيرة ومخاوف أخلاقية

محمد كمال
محمد كمال

3 د

بدأ العلماء في كامبريدج بصناعة أول حمض نووي بشري صناعي من الصفر.

تدعم مؤسسة ويلكوم تراست المشروع بعشرة ملايين إسترليني لتطوير علاجات طبية.

تهدف التقنية إلى تصنيع خلايا مقاومة للأمراض وإعادة بناء الأعضاء البشرية.

تواجه هذه التكنولوجيا تحديات أخلاقية وقلقًا بشأن "تصميم الأجنة".

يتطلب المشروع تنظيمًا دوليًا لمنع إساءة استخدام التكنولوجيا المتقدمة.

تخيّل أن يصبح بإمكاننا صناعة الشفرة الوراثية البشرية، أو ما يُعرف بالحمض النووي DNA، من الصفر كمن يبني بيتًا حجرًا حجرًا، ليتمكن العلماء أخيرًا من تصميم جينات تساعد على علاج أخطر الأمراض. هذه الفكرة الطموحة لم تعد خيالاً علمياً بعد الآن، بل بدأت رسميًا في مختبر البيولوجيا الجزيئية التابع لمجلس البحوث الطبية في كامبريدج امؤخرًا، وسط اهتمام إعلامي واسع وترقب عالمي كبير.

تعود جذور هذا المشروع إلى "مشروع الجينوم البشري" السابق، عندما استطاع العلماء لأول مرة قراءة الشفرة الوراثية الخاصة بالبشر. الآن، الكلمة المفتاحية ليست فقط "القراءة"، بل "الكتابة". من خلال تقنية متقدمة للغاية تُسمى "علم الجينوم الاصطناعي"، بات العلماء قادرين على بناء الحمض النووي البشري عن طريق تركيب جزيئات DNA واحدة تلو الأخرى، مما يعد نقلة نوعية تُبشّر بثورة كبرى في مستقبل الطب الحيوي.


المشروع، الذي تدعمه مؤسسة ويلكوم تراست الطبية العالمية بتمويل أولي بلغت قيمته عشرة ملايين جنيه إسترليني، يهدف إلى تطوير علاجات فائقة القدرة تبدأ من مكافحة الشيخوخة وحتى تجديد خلايا الأعضاء المتضررة بسبب المرض أو الإصابة. ويؤكد الدكتور جوليان سايل من فريق مختبر مجلس البحوث الطبية أن هذا المشروع يمثل "قفزة عملاقة في علوم البيولوجيا"؛ لأنه سيسمح بابتكار خلايا مقاومة للأمراض، وبالتالي قد يعيد بناء أعضاء بشرية كاملة كالكبد والقلب وحتى تعزيز وتقوية الجهاز المناعي للإنسان.

لكن هذه الطموحات العلمية العظيمة بطبيعة الحال لا تأتي دون تحديات وتساؤلات أخلاقية، خاصة عندما نتحدث عن تقنية قد تؤدي إلى ما يُسمى "بتصميم الأجنّة" أو "الأطفال حسب الطلب". هناك قلق كبير لدى النقاد من أن هذه التكنولوجيا يمكن استغلالها في تصنيع أطفال معدلّين وراثياً بتطلب الصفات المرغوبة، مما يؤدي إلى مشكلات أخلاقية عميقة قد تؤثر بشكل خطير على مستقبل البشرية. كما أن المخاوف تشمل احتمالات سوء الاستخدام مثل تطوير أسلحة بيولوجية خطيرة أو تغيرات غير متوقعة يمكن تمريرها للأجيال القادمة.

وبالفعل، يعترف الباحثون في كامبريدج أن السيطرة على هذه التكنولوجيا المتقدمة ليست مسألة سهلة. فمن الناحية الواقعية، إذا قررت إحدى الجهات استخدام التقنية دون رقابة، فلا يوجد حاليًا ضمانات فعّالة تُجنّب العالم مخاطر هذه السيناريوهات المخيفة. ومن هنا فإن المرحلة المقبلة ستشهد جهوداً دولية كبيرة لتنظيم استخدام هذه التقنيات وتحديد الضمانات الضرورية.

ذو صلة


ولا يُعد العمل الحالي في المختبر البريطاني مفاجئًا تمامًا؛ فقد سبق للفريق تحقيق إنجازات علمية هائلة شكلت الأرضية البحثية لهذا المشروع الجديد. ففي عام 2022، ابتكر العلماء جينومًا اصطناعيًا متكاملًا لأحد أنواع البكتيريا، هو الأكبر والأكثر تعقيدًا حتى الآن، كما أسسوا شركات ناشئة لتطوير هذه الاستخدامات تجاريًا، عبر خلق تطبيقات علاجية ثورية، ومنتجات زراعية متطورة، وبوليمرات عضوية صديقة للبيئة.

يبدو واضحًا أننا نشهد الآن فصلاً جديدًا كليًا من فصول التطور العلمي، يمكن أن يغير قواعد الطب الحيوي والصحة العامة جذريًا. وبين فوائد جمة محتملة ومخاوف مبررة لا يمكن تجاهلها، تظل مسؤولية وضع ضوابط فعّالة وأخلاقية مشتركة تقع على أكتاف المجتمع العلمي والمواطنين وصنّاع القرار. وما من شك في أن متابعة هذه التطورات المثيرة – والمقلقة في بعضٍ من جوانبها – ستكون محل اهتمام العالم بأسره خلال الفترة القادمة، مع ضرورة استخدام لغة تجمع بين البساطة والتفصيل، وتحديد واضح للاصطلاحات التقنية ضمانًا لتحقيق فهمٍ أوسع للجمهور العربي حول ما يحدث على ساحة الابتكارات العلمية.

ذو صلة