وداعاً للفحص بالمنظار… اختبار بسيط للبراز يكتشف تسعة من كل عشرة حالات سرطان القولون

3 د
قدم فريق بحثي من جامعة جنيف تحليل براز يكتشف 90% من حالات سرطان القولون.
يعتمد التحليل على الذكاء الاصطناعي ودراسة ميكروبيوم الأمعاء لتحليل الفروق بين البكتيريا.
فهرس الأنماط البكتيرية يساعد في الكشف عن السرطان بدقة تقارب المنظار.
يُمكن استخدام المنهج لتشخيص مبكر لأنواع أخرى من السرطان وأمراض مزمنة.
يُعد سرطان القولون والمستقيم ثاني أكثر أسباب الوفاة المرتبطة بالسرطان حول العالم. ورغم أن تشخيصه المبكر يفتح باب العلاج الفعّال، فإن المنظار – وهو الأداة التشخيصية الأكثر اعتماداً حالياً – يظل مكلفاً ومرهقاً للكثير من المرضى، ما يؤدي في الغالب إلى تأخر اكتشاف المرض. لكن فريقاً بحثياً من جامعة جنيف قدّم ما قد يغير قواعد اللعبة: تحليل براز بسيط قادر على اكتشاف 90% من الحالات، اعتماداً على الذكاء الاصطناعي ودراسة دقيقة لجراثيم الأمعاء.
هذا التطور يضعنا أمام مرحلة قد تتجاوز الحاجة إلى المنظار كخيار أول للتشخيص، معزّزاً الأمل في أدوات أقل تكلفة وأكثر قبولاً لدى المرضى.
الميكروبيوم في قلب التشخيص
منذ سنوات يدرك الأطباء أن الميكروبيوم المعوي – أي مجموع البكتيريا التي تعيش في الأمعاء – يلعب دوراً في تطور بعض السرطانات. لكن المشكلة أن الأنواع البكتيرية نفسها قد تضم سلالات مختلفة: بعضها آمن، بينما يُرجَّح أن يسهم بعضها الآخر في تغذية الورم. هنا برز منهج جديد من جامعة جنيف، إذ لم يكتف الباحثون بتصنيف الأنواع، بل ذهبوا إلى مستوى أدق: "الأنماط تحت‑النوعية" للبكتيريا. هذا المستوى الوسيط مكّنهم من ملاحظة الفروق الوظيفية بين البكتيريا بدقة أكبر، ومن ثم تعقّب علاقتها بالسرطان.
وبالانتقال من هذه الفرضية إلى الجانب التطبيقي، قرر الباحثون توظيف خوارزميات التعلم الآلي لتحليل كم هائل من البيانات الميكروبية.
الذكاء الاصطناعي يفتح الباب
أوضح أعضاء الفريق أنهم بنوا أول فهرس شامل للأنماط البكتيرية تحت‑النوعية في الأمعاء البشرية، وطوروا أداة تحليلية لاستخدامه في البحث والطب العملي. وعندما جمعوا هذه البيانات مع سجلات سريرية حقيقية، خرج نموذج تنبؤي قادر على تحديد وجود السرطان من عينات البراز وحدها. النتيجة كانت لافتة: 90% من الحالات جرى اكتشافها بدقة، وهي نسبة تقارب كثيراً دقة المنظار التي تبلغ 94%، وتتفوق على أي وسيلة غير جراحية أخرى حالياً.
وهذا يعكس أن التشخيص المعتمد على الميكروبيوم قد لا يكون فقط بديلًا عملياً للفحوص المعقدة، بل ربما يصبح أداة فحص روتينية في المستقبل.
آفاق أبعد من القولون
التجربة السريرية الأولى تنطلق الآن بالتعاون مع مستشفيات جنيف الجامعية، للوقوف على دقة التقنية في تحديد مراحل السرطان الدقيقة. إلا أن التطبيق لا يتوقف هنا، فبفضل هذا المستوى التحليلي الجديد يمكن فهم كيف تساهم بكتيريا الأمعاء في مجموعة واسعة من الأمراض المزمنة. الباحثون يرون أن المنهج ذاته قد يُستخدم لتشخيص مبكر لأنواع أخرى من السرطان، أو حتى أمراض أيضية ومناعية، عبر تحليل غير جراحي لبكتيريا البراز فقط.
وهكذا يربط الاكتشاف بين علم الميكروبات والذكاء الاصطناعي وصحة الإنسان على نحو يمكن أن يعيد رسم خريطة الفحوص الطبية.
ما قدمه فريق جامعة جنيف ليس مجرد تقنية جديدة، بل نقلة نوعية في نظرتنا للتشخيص المبكر. إذا أثبتت التجارب السريرية نجاحها على نطاق واسع، فقد نكون أمام عصر تتحول فيه زيارة العيادة من موعد مزعج مع المنظار إلى تحليل بسيط للبراز يوفر مؤشراً قوياً على الحالة الصحية. بذلك يقترب حلم الطب غير الجراحي من أن يصبح واقعاً يومياً يسهل حياة الملايين.