الكون يُفاجئنا مجددًا: أكبر بنية كونية تكبر وتتمدد خارج تصوّرنا

3 د
كشف علماء الفلك عن تفاصيل جديدة حول "الجدار العظيم هيركوليس-كورونا بورياليس"، أكبر بنية معروفة بالكون.
تمتد هذه البنية لأكثر من 10 مليارات سنة ضوئية، متجاوزة التقديرات السابقة.
استخدم العلماء تقنية انفجارات أشعة غاما لقياس البنية الضخمة هذه.
هذا الاكتشاف يتحدى قواعد المبدأ الكوني التقليدي ويفرض إعادة نظر بالنظريات الكونية.
عندما يتعلق الأمر بعجائب الكون، اعتدنا نحن البشر في كل مرة اكتشاف حقائق مذهلة تصيبنا بالذهول. واليوم، يبدو أن الكون قرر أن يدهشنا مرة أخرى وبصورة أكثر إدهاشًا من السابق.
كشف فريق من علماء الفلك عن مفاجآت جديدة تخص أكبر بنية معروفة في الكون حتى الآن، وهي ما يسمى بـ"الجدار العظيم هيركوليس-كورونا بورياليس". هذه البنية الضخمة، التي كانت قد اكتشفت للمرة الأولى في عام 2014 وأثارت الكثير من الجدل بين علماء الفضاء، ها هي تعود مرة أخرى إلى دائرة الضوء مع تفاصيل جديدة أكثر إدهاشًا من ذي قبل.
أبعاد هائلة تفوق تصورنا!
ففي دراسة جديدة نُشرت على موقع "arXiv" وتشرف عليها مجموعة من الباحثين بقيادة العالم "إستفان هورفاث" من جامعة الخدمة العامة في بودابست، تبين أن هذه البنية الكونية الضخمة أكبر مما كان يُعتقد سابقًا. فقد أشارت النتائج الجديدة إلى أنها تمتد لأكثر من 10 مليارات سنة ضوئية، بعد أن كانت التقديرات السابقة تشير إلى امتدادها لـ 9.8 مليارات سنة ضوئية فقط.
وربما يتساءل البعض، "وما هي هذه البنية تحديدًا؟"، بشكل بسيط جدًا، يمكننا القول إنها ليست كوكبًا أو مجرة، ولا حتى مجرات منفردة، وإنما هي سلسلة ضخمة للغاية من آلاف المجرّات والعناقيد المجرية التي تمتد على مسافة هائلة تصعب جدًا علينا تخيلها. الأمر يشبه وكأنه جدار عملاق أو خيط ممتد هائل يربط أجزاء مختلفة من الكون معًا.
كيف تم التوصل لهذا الاكتشاف؟
قد تبدو مهمة قياس بنية كهذه شبه مستحيلة لنا هنا على الأرض، فالمسافات شاسعة والأدوات محدودة. لذلك استخدام العلماء تقنية مبتكرة تسمى "انفجارات أشعة غاما"، وهي انفجارات كونية سريعة وشديدة التوهج تحدث عندما تنهار نجوم عملاقة بعيدة جدًا في المجرات الموزعة عبر أنحاء الكون. هذه الانفجارات، بفضل شدة توهجها ووضوحها، تصل إلينا من مسافات هائلة وبإمكانها أن تعمل كـ "علامات ضوئية كونية"، مما يسمح للفلكيين برسم خرائط تفصيلية لمساحات شاسعة في الفضاء.
قام الفريق بتحليل بيانات 542 انفجارًا من أشعة غاما موزعة على مناطق مختلفة، ما أظهر أن تجمعات هذه الانفجارات تتركز بشكل واضح في منطقة معينة من السماء، وتحديدًا تلك المنطقة التي تشمل الجدار العظيم "هيركوليس-كورونا بورياليس". ومن خلال ذلك أدرك العلماء أن نطاق البنية أكبر بكثير من القياسات السابقة.
تحدٍ كبير لقواعد الفضاء التقليدية
هذا الاكتشاف الجديد، والذي يؤكد أن البنية قد تجاوزت العشرة مليارات سنة ضوئية، يضع العلماء في مأزق حقيقي، لأنه يشكل تحديًا خطيرًا لما يُعرف بالمبدأ الكوني، أو "المبدأ الكوزمولوجي"، وهي نظرية اعتمدها العلماء لفترة طويلة تقول بأن الكون يجب أن يكون متجانسًا على نطاقات كبيرة جدًا، وألا تتواجد بنية واحدة تمتد لأكثر من 1.2 مليار سنة ضوئية. لكن المفاجأة هنا أن هذه البنية المكتشفة كسرت هذه القاعدة بشكل دراماتيكي، فهي تفوق الحد المقبول بأضعاف مضاعفة!
أكد العلماء أيضًا أن هذه النتائج ليست مجرد خلل في القياسات أو أخطاء إحصائية، بل نحن أمام ظاهرة كونية حقيقية لا مجال للشك فيها، وهو ما يفتح باب التساؤلات على مصراعيه.
آثار مستقبلية على فهمنا للكون
النتائج الجديدة من شأنها أن تدفع العلماء لإعادة النظر في نظرياتهم الحالية حول تكوين الكون وتطوره، فوجود بنية ضخمة بهذا الحجم يستدعي تغييرًا كبيرًا - وربما جذريًا - في فهمنا للطريقة التي نُظم بها الكون منذ نشأته وحتى اليوم.
فمن جهة، تساعد هذه البنية العملاقة العلماء على فهم الآليات التي ساهمت في تكون المجرات وتطورها، كما تحمل بين طياتها إشارات هامة قد تقودنا لفهم أعمق لألغاز المادة المظلمة، التي لا تزال واحدة من أكبر أسرار الكون. ومن ناحية أخرى، فإن تقنية استخدام انفجارات أشعة غاما في رسم خرائط الكون تُعتبر شديد الأهمية، لأنها تتيح اكتشاف مناطق أبعد مما تستطيع الطرق التقليدية القائمة على مشاهدة المجرات المعروفة بلوغها.
في النهاية، يقف مجتمع العلماء اليوم أمام لحظة مفصلية؛ الكون يكشف مجددًا عن وجه غامض، ولعل هذا الغموض هو الذي يدفعنا دومًا لمواصلة رحلتنا في البحث والتساؤل واكتشاف المزيد عن أسراره التي لم تنته بعد.