ذكاء اصطناعي

بعد حيرة دامت عقودًا: علماء الفلك يعثرون أخيرًا على نصف مادة الكون… كانت أمام أعيننا طوال الوقت

بعد حيرة دامت عقودًا: علماء الفلك يعثرون أخيرًا على نصف مادة الكون… كانت أمام أعيننا طوال الوقت
فريق العمل
فريق العمل

4 د

اكتشف فريق علماء الفلك مادة الكون المفقودة من غاز الهيدروجين المؤين.

استخدموا تقنية مبتكرة تعتمد على الخلفية الإشعاعية الكونية لرصد الغاز.

وجدت الدراسة أن الغاز منتشر بشكل يعكس شبكة الكون العملاقة.

هذا الاكتشاف قد يعدل فهمنا لنشوء المجرات وسلوك الثقوب السوداء بنمط متقطع.

تستمر الدراسات لمراجعة النتائج وستستخدم نماذج محاكاة أدق للتحقق منها.

لفترات طويلة، بقيَ السؤال عن مكان نصف المادة العادية في الكون يشكّل لغزاً محيّراً للعلماء. بالأرقام، نحن نتحدث عن المادة المكوّنة من الذرات مثل تلك التي يتألف منها جسدي وجسدك وكل شيء تقريبًا حولنا. والتي لا تشكّل إلا حوالي 15 بالمائة فقط من إجمالي محتوى المادة في الكون، بينما الباقي، وهو الغالبية العظمى، يُعبّر عن مادة غامضة لا تُرى ولا تُشعر بها تسمى المادة المظلمة. لكن حتى هذه النسبة الضئيلة - الـ 15 بالمائة - لاحظ العلماء منذ فترة طويلة أن جزءًا كبيرًا منها، يزيد على النصف، مفقود بلا أثر واضح.

الآن، وفي خطوة علمية قد تغيّر من معرفتنا للكون بشكل جذري، عثر فريق من علماء الفلك أخيرًا على هذه المادة «المفقودة»، والتي كانت أمام أعيننا طيلة الوقت، ولكنها خفيّة إلى حد كبير.


غاز الهيدروجين: الحل الخفي للغز الكوني

وفقاً لدراسة جديدة أشرفت عليها بورينا هادزيسكا، الباحثة في جامعة كاليفورنيا بيركلي، تبيّن أن هذه المادة المفقودة موجودة فعليًّا على شكل سحب ضخمة ومتناثرة جدًا من غاز الهيدروجين المؤين. ويبدو أن الطبيعة الواسعة الشفافة لهذه المادة كانت وراء مشكلة اكتشافها بالطرق التقليدية.

تقول هادزيسكا عن هذا الموضوع:


«نعتقد أنه بمجرد خروجنا بعيداً عن محيط المجرة المعروفة، نستطيع استعادة الغاز المفقود بسهولة أكبر. نحن بحاجة إلى تحليل دقيق باستخدام المحاكاة، وهذا أمر لم نقم به بعد بشكل كامل، لأننا حريصون على التأكد من نتائجنا قبل إعلانها بثقة»


الكون يضيء طريقه بنفسه!

لكن، إذا كان هذا الغاز الهيدروجيني خفيًا ويصعب على التلسكوبات التقليدية رؤيته، كيف استطاع العلماء رصده؟ الإجابة تكمن في تقنية مبتكرة جدًا تعتمد على الضوء الأكثر قدماً في الكون، والذي يُعرَف باسم الخلفية الإشعاعية الكونية (CMB).

الخلفية الإشعاعية الكونية هي نوع من الإشعاع المتبقي من فجر الكون، وتعتبر أبعد ضوء يمكننا رصده في الكون بأكمله. بحسب سيمون فيرارو، الباحث الكبير في مختبر لورانس بيركلي الوطني وجامعة كاليفورنيا، تشكّل هذه الخلفية الإشعاعية "إطاراً خلفياً لكل شيء نجده في الكون، إنها الحافة النهائية للكون المرصود".

وباستخدامها كمصدر إضاءة خلفي، تتبع الباحثون كيف أن مرور هذه الإشعاعات عبر سحب الغاز الهيدروجيني المؤين يغير في خصائصها بشكل طفيف لكنه يمكن قياسه بدقة. تعرف هذه الظاهرة علمياً بتأثير «سونياف زيلدوفيتش الديناميكي»، وتحدث عند اصطدام الضوء القادم من الخلفية الكونية بجزيئات الغاز المنتشرة.


إنجاز علمي عبر مجهود مضنٍ

كي يقتنع المجتمع العلمي بنتائج الدراسة، قام هذا الفريق الفلكي بمجهود استثنائي وفريد. فقد راقبوا أكثر من 7 ملايين مجرة مضيئة من النوع المسمى بالمجرات الحمراء المشرقة، وعملوا على دمج هذه الملاحظات مع بيانات عالية الدقة حصلوا عليها من تلسكوب أتاكاما الكوني في شيلي.

وبعد تحليلات وقياسات دقيقة تبين أن الغاز مُنتشر في الفضاء بشكلٍ واسع أكثر بخمس مرات مما افترض العلماء في السابق. هذا الكشف فاجأ المجتمع العلمي، إذ وجدوا أن الغاز المؤين لا يطوف بصورة عشوائية حول المجرات، بل هو منظّم وموزّع بشكل يتوافق مع شبكة عملاقة تُعرف بـ «شبكة الكون»، وهي شبكة مترامية تمثّل خيوطاً ممتدة من المادة عبر الفضاء كله.


انعكاسات أعمق على فهم نشوء المجرات والثقوب السوداء

لا يقتصر هذا الاكتشاف على إغلاق فصل من فصول الغموض الكوني، بل يمكن أن يحمل معه آثاراً أساسية لباحثي علم الفلك. أحد الأمثلة الواضحة لذلك هو كيفية فهمنا لسلوك الثقوب السوداء في مراكز المجرات. فقد اعتقد العلماء بأن هذه الثقوب تصبح «نشطة» وتطلق كميات هائلة من المادة والطاقة خلال مرحلة شابة فقط من عمرها. ولكن إذا ثبت صحة أن هذا الغاز المؤين يملأ الفضاء بتلك الكثافة، فهذا قد يعني أن الثقوب السوداء ما تزال، حتى في المجرات المتقدمة، تقذف الغاز بصورة متقطعة ومنتظمة وليست نادرة كما كان يُظن سابقاً.

هادزيسكا تشرح الأمر قائلة:


«هناك ظاهرة نطلق عليها نشاط النوى المجرية النشطة (AGN)، وتوقعنا سابقاً أنها تعمل بصورة متقطعة، أي أنها تشتغل وتتوقف في دورة ما، هذا الاكتشاف الجديد قد يعني أننا بحاجة لمراجعة نظرياتنا السابقة»


الخطوات المقبلة في رحلة البحث العلمي

ذو صلة

حاليًا، الدراسات ما تزال في مرحلة التحقق والمراجعة من قبل علماء مستقلين. ومع نشر النتائج الجديدة في دورية «Physical Review Letters»، يطمح الباحثون لتطوير نماذج محاكاة أكثر دقة تتناغم مع هذه الحقائق الجديدة، وقد بدأت بعض النماذج بالفعل لتتناول هذه النتائج وتدرجها في حساباتها.

وبهذا، نجد أنفسنا اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى فهم أعمق لطبيعة الكون. تلك المادة التي بحثنا عنها طويلًا لم تختفِ في الحقيقة، لكنها كانت دائماً معروفة… فقط استغرقت منا وقتًا طويلًا كي نفتح أعيننا على حقيقتها: مادة شفافة وخفيفة جدًا، لكنها تشكّل جزءًا لا غنى عنه من القصة اليومية لحياة الكون.

ذو صلة