تيتان… توأم الأرض البعيد يُلوّح من خلف ضباب زحل

3 د
رصد العلماء رلأول مرة غيوم الميثان تتشكل وتتحرك في سماء قمر تيتان، ما يدعم وجود دورة طقس شبيهة بالأرض.
تم اكتشاف جزيئات نشطة مثل الراديكال الميثيلي، ما يدل على تفاعلات كيميائية حية قد ترتبط بأصل الحياة.
تخطط ناسا لإرسال مروحية "دراغونفلاي" إلى سطح تيتان في الثلاثينيات لدراسة بيئته مباشرة.
يُعد تيتان أحد أبرز المرشحين لاحتضان أشكال من الحياة في النظام الشمسي، نظرًا لغلافه الجوي الغني ودورة الميثان النشطة فيه.
في اكتشاف فلكي مذهل يفتح أبواب الأمل من جديد في البحث عن عوالم قابلة للحياة، رصد العلماء سلوكًا مناخيًا مدهشًا على سطح قمر تيتان، أكبر أقمار زحل، باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي وتلسكوب كيك 2 في هاواي.
فقد تمكن العلماء ولأول مرة من مشاهدة تشكُّل غيوم الميثان وتحرّكها في الغلاف الجوي للقطب الشمالي لتيتان، حيث توجد بحيرات وبحار ضخمة مملوءة بالميثان والإيثان السائلين، في مشهد يحاكي ما يحدث على كوكب الأرض بشكل لافت.
دورة طقس تشبه الأرض… ولكن بالميثان بدلاً من الماء
رغم أن تيتان يبعد عن الأرض أكثر من 1.4 مليار كيلومتر، ويغلفه ضباب كثيف وتصل درجة حرارته إلى ما دون 300 درجة مئوية تحت الصفر، إلا أن غلافه الجوي يحتوي أساسًا على النيتروجين، كما هو الحال على الأرض، مما جعله موضع اهتمام العلماء منذ عقود.
الدكتور كونور نيكسون، الباحث الرئيسي في الدراسة المنشورة في مجلة Nature Astronomy، صرّح قائلاً:
"استطعنا رؤية الغيوم تتشكل وتتحرك على مدى عدة أيام قرب القطب الشمالي، وهو أمر يدعم فكرة أن بحار الميثان هناك تتجدد عبر أمطار مماثلة للعواصف الصيفية على الأرض."
مفاجآت من الغلاف الجوي: الكيمياء الحية في سماء تيتان
الأكثر إثارة هو رصد تلسكوب جيمس ويب لجزيء نادر يُدعى "الراديكال الميثيلي"، وهو جزيء شديد التفاعل لا يعيش طويلاً، ما يعني وجود تفاعلات كيميائية نشطة جارية في الغلاف الجوي للقمر.
ويضيف نيكسون:
"هذا يشير إلى أن الميثان قد يكون يُضَخّ من باطن تيتان إلى سطحه باستمرار منذ مليارات السنين، مما يمنع اختفاء غلافه الجوي ويحافظ على دورة الميثان النشطة."
وجود هذه التفاعلات الكيميائية يعزز من فرضية أن تيتان قد يحتوي على مكونات الحياة الأساسية، مما يجعله أحد أكثر الأجسام السماوية إثارة للاهتمام في البحث عن الحياة خارج الأرض.
بعثة "اليعسوب": طائرة مروحية إلى عوالم ما وراء السُحب
في ضوء هذه الاكتشافات، تتجه الأنظار إلى بعثة ناسا القادمة "دراغونفلاي" (اليعسوب)، المقرر انطلاقها إلى تيتان خلال ثلاثينيات هذا القرن. ستحمل البعثة طائرة مروحية ذاتية القيادة ستهبط على سطح القمر وتقوم بدراسة جيولوجيته وتركيبه الكيميائي بشكل مباشر.
واحدة من أكثر النتائج إثارة للاهتمام من الرصد الحالي، هي أن طبقة التروبوسفير في تيتان – أي الطبقة الدنيا من الغلاف الجوي التي تتشكل فيها الغيوم – تمتد حتى 45 كيلومترًا، وهي أعلى بكثير من نظيرتها الأرضية التي تبلغ حوالي 12 كيلومترًا.
هذا يعني أن الغيوم الميثانية على تيتان تصعد أعلى وتتحرك بشكل أوسع، مدفوعة بحرارة شمسية خفيفة خلال صيفه الشمالي.
عالم بعيد... لكنه يشبهنا أكثر مما كنا نظن
البيئة المناخية الديناميكية والتي يشهدها تيتان اليوم، رغم برودتها القارسة وطبيعتها الغريبة، تحاكي دورة المياه الأرضية، مما يجعل هذا القمر أكثر من مجرد جرم سماوي بارد – إنه نسخة بديلة من الأرض، ولكن بمادة أخرى.
وكلما تطورت تقنيات الرصد، كلما تكشفت لنا أسرار جديدة عن هذا العالم الغريب، الذي قد يحمل دلائل ثمينة على نشأة الحياة خارج الأرض، أو على الأقل على الظروف التي قد تحتضنها.