ثوران أرضي يدوّي في السماء: الأقمار الاصطناعية تشهد زلزال البركان

3 د
شهد المحيط الهادئ في 2022 ثوران بركان "هونغا تونغا - هونغا هاباي" بقوة هائلة.
تسبب الانفجار في انتشار الرماد والغازات البركانية لأكثر من 50 كيلومترًا في السماء.
أثر الانفجار على الغلاف الجوي وأحدث اضطرابات وصل تأثيرها إلى الأقمار الصناعية.
أشارت دراسات إلى أن "الموجات الثانوية للجاذبية" أثرت على المدارات الفضائية.
يؤكد الحدث الحاجة لمراجعة تقييمات المخاطر وأثر البراكين على التكنولوجيا الفضائية.
في يناير من عام 2022، شهدنا حدثًا نادرًا ومدهشًا؛ كان انفجار بركان "هونغا تونغا - هونغا هاباي" في المحيط الهادئ واحدًا من أقوى الانفجارات البركانية التي عاصرها الإنسان الحديث، لم تقتصر تداعياته على المحيط المجاور وما يحيط به من جزر، بل وصلت آثاره إلى أعلى طبقات الغلاف الجوي، وأثرت بصورة مفاجئة على حركة الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض.
ثوران بركاني غير مسبوق
إذا تصورت مشهد الانفجار، فهو بحق أمر عجيب؛ فقد تسببت قوة الانفجار الهائلة في دفع الرماد والغازات البركانية إلى ارتفاع يزيد عن 50 كيلومترًا في السماء! ولتخيل الارتفاع، تأمل أن الطائرات التجارية – التي نشاهدها تبدو وكأنها نقاط صغيرة في السماء – عادةً ما تطير على ارتفاع حوالي 10 كيلومترات فقط، وهذا الانفجار تخطى خمسة أضعاف هذا الرقم، متجاوزاً الارتفاع الذي تحدث فيه معظم الظواهر الجوية المعتادة.
صدمة في الجو... ووصول إلى الفضاء
كانت الصدمة التي أحدثها البركان قوية إلى درجة أنها أنتجت موجة ضغط هائلة انتشرت حول الأرض بأكملها. المثير للاهتمام حقًا – حسب ما كشفته دراسة جديدة نشرت مؤخرًا – هو أن هذه الموجة الضاغطة تحولت في الطبقات العليا من الغلاف الجوي إلى شيء يُعرف بـ"الموجات الثانوية للجاذبية"، والتي استطاعت أن تؤثر حتى على ارتفاعات تشغلها الأقمار الصناعية في مدارات الأرض.
لكن ما الذي تعنيه "الموجات الثانوية للجاذبية"؟
ببساطة، عندما تحدث انفجارات أو اضطرابات كبيرة على سطح الأرض مثل الانفجارات البركانية، تنطلق موجات أساسية تحدث بالقرب من سطح الأرض. لكن هذه الموجات تصبح غير مستقرة عند ارتفاعات عالية، فتتفكك وتحول شكلها إلى "موجات ثانوية" يمكنها الانتقال لمسافات بعيدة جداً في طبقات الجو العُليا وحتى الوصول إلى الفضاء. وقد تمكن الباحثون، من خلال تحليلات البيانات المأخوذة من أقمار صناعية ومحاكاة نماذج حاسوبية متقدمة، من تأكيد أن هذه الموجات هي السبب الرئيسي في الاضطرابات التي أثرت على مدارات العديد من أقمارنا الصناعية.
إشارات مبكرة قبل الكارثة
وليست هذه أول مرة نلاحظ فيها إشارات تحذيرية مبكرة لانفجار بركان بهذا الحجم. قبل انفجار بركان تونغا بفترة قصيرة، سجلت أجهزة الرصد الزلزالي موجة خافتة من نوع خاص يُسمَّى "موجة رايلي"، وهي موجة لا نشعر بها بوضوح ولا نستطيع سماعها بأذاننا، لكنها كانت واضحة على حساسات الزلازل، ورُصِدَت حتى على بُعد يزيد عن 600 كيلومتر من موقع البركان، كأنها رسالة مشفرة تُحذّر من أن شيئًا ضخمًا على وشك الوقوع.
تأثيرات واسعة على أنظمة التكنولوجيا
ربما تكون الصورة التي تتبادر إلى الذهن أولاً عندما نفكر في الانفجارات البركانية هي الدمار على الأرض والتأثير على الناس والبيئة، لكن هذه الحادثة توضح أن هذه الانفجارات يمكنها أن تصل تأثيراتها إلى السماء وتؤثر بشكل واضح على أنظمتنا التكنولوجية كالأنظمة الملاحية والاتصالات والتنبؤ بأحوال الطقس، والتي تعتمد بشكل كبير على الأقمار الصناعية العاملة في الفضاء.
إعادة تقييم للمخاطر المستقبلية
هذا المزيج من المعلومات الجديدة يدفع العلماء لإعادة النظر في كيف يُمكننا أن نتوقع مخاطر الكوارث الطبيعية الكبرى وتأثيراتها المحتملة. فالبراكين، التي كنا في الماضي نتصور تهديداتها تقتصر على نشاطها بالقرب من سطح الأرض فقط، تثبت الآن أن آثارها واسعة النطاق وقادرة على التأثير على البنية التكنولوجية الحساسة التي نعتمد عليها يوميًا.
وبالتالي، يُمثّل انفجار بركان هونغا تونغا-هونغا هاباي درسًا هامًا في توسيع إدراكنا لتأثيرات الطبيعة. فالبركان لم يهز الأرض فقط؛ بل أرسل موجات صدمة قوية بما يكفي لتهتز معها أقمارنا الاصطناعية في الفضاء، وهذا بحد ذاته يفتح آفاقًا جديدة لدراسة كيفية ارتباط ظواهر الطبيعة في الغلاف الجوي مع الأحداث على سطح الأرض وكيف يُمكن الاستفادة من هذه المعرفة مستقبلاً، في تحسين قدرة البشرية على توقع الظواهر الخطرة والتصدي لها.