حركة غامضة على قمر زحل تُحيّر العلماء… ماذا يحدث في أعالي الغلاف الجوي؟

3 د
يُظهر غلاف تيتان الجوي حركة تأرجح غامضة كمغزل فضائي.
تشير الدراسات إلى أن الغلاف الجوي لتيتان يتحرك بشكل مستقل عن سطحه.
يُعتبر تيتان مرشحاً مثيراً لاكتشافات قادمة في النظام الشمسي.
تسعى مهمة "دراغون فلاي" من ناسا لاستكشاف تيتان بشكل أعمق في المستقبل.
دائماً ما أبهرنا القمر تيتان، أكبر أقمار كوكب زحل، بأجوائه الغامضة وطبيعته الساحرة التي جعلته هدفاً دسماً للبحث العلمي. اليوم، زاد الغموض روعةً بعدما اكتشف الباحثون حركة مفاجئة وغريبة في غلافه الجوي الكثيف والمضبب.
في دراسة حديثة نشرتها مجلة علوم الكواكب مؤخراً، وبعد فحص بيانات حرارية دقيقة لتيتان جُمعت على مدار 13 عاماً عبر مهمة كاسيني-هويغنز التابعة لكل من وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية، تفاجأ العلماء بأن غلاف تيتان الجوي يتأرجح أو "يتمايل" في حركة تشبه تماماً لعبة المغزل أو الجيروسكوب، بدلاً من الدوران بشكل طبيعي متناسق مع سطح القمر ذاته.
وتُوضح الباحثة الرئيسية لوسي رايت، من جامعة بريستول، إن هذا السلوك الغريب يشير بوضوح إلى أن غلاف تيتان الجوي يتحرك وفق آلية مستقلة، وكأنه مغزل في الفضاء، لا يتبع حركة سطح القمر نفسه. وتضيف رايت: "إن نمط ميل جو تيتان غريب ومثير للدهشة ويبدو أنه يستقر بطريقة ذاتية في مواجهة تغير الفصول، وكأن له نظاماً مناخياً مستقلاً خاصاً به".
وتُضيف هذه النتيجة عنصراً آخر للعديد من الألغاز التي تحيط بتيتان؛ فهذا القمر العملاق، الذي يزيد قطره عن كوكب عطارد ذاته، معروف بسوائل الميثان الغامضة التي تملأ بحيراته ومحيطاته. ولأن ميل غلافه الجوي يبدو أنه يتأثر بالتحولات الموسمية خلال دورة سنوية تصل لما يقارب 30 سنة أرضية، بات تيتان أكثر مرشحين نظامنا الشمسي إثارة لاهتمام العلماء لاستكشاف ما يحدث داخله بدقة أكبر.
وتذهب المفارقة الغريبة أبعد حين يوضح نك تينيبي، الباحث المُشارك من ذات الجامعة، أنه على عكس المنطق السائد، فإن محاور تأرجح الغلاف الجوي لا تتأثر بجاذبية الشمس أو زحل بشكل واضح. وهذا أثار فرضيات مدهشة قد تتعلق بحوادث كونية سابقة ضربت القمر، وأدت إلى خلل "ميلانه" الغامض. وتبعاً لهذه النظرية، فإن أبعاد هذا الميل تتغير مع تغير مواسم تيتان، مما يجعل الغموض أكثر تعقيداً.
وتبدو لهذه النتائج الحديثة أهمية واسعة، خصوصاً أنها تأتي قبل إطلاق مهمة "دراغون فلاي" القادمة من ناسا، وهي رحلة طموحة ستنطلق بعد عام 2028، بهدف إرسال مركبة جوية ضخمة تشبه الطائرات المروحية، للهبوط على سطح تيتان واستكشاف معالمه. ستواجه هذه المركبة ظروفاً شديدة التحدي من برودة تصل إلى حوالي 184 درجة مئوية تحت الصفر وضغط جوي يفوق مرةً ونصف الضغط على سطح الأرض ورياح فائقة السرعة. لذا، يُمكن للمعرفة الأعمق حول حركة الغلاف الجوي أن تساعد في اختيار مناطق الهبوط الأمثل واستدامة عمل المركبة بشكل أفضل.
وما يزيد الأرضية البحثية تشويقاً وتأثيراً هو انعكاس هذه النتائج على فهمنا لطبيعة مناخ كواكب أخرى، بل وحتى على مناخ كوكب الأرض نفسه. يقول عالم الكواكب كونور نيكسون من مركز غودارد الفضائي التابع لناسا، أن السلوك المستقل لغلاف تيتان الجوي قد يدفعنا لإعادة النظر في بعض الأسس الفيزيائية لجو الأرض والكواكب الأخرى، خاصة وأن هذا الغلاف يبدو وكأنه معزول تماماً عن دوران السطح.
ختاماً، ورغم أن البعض قد يتساءل حول إمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض على سطح تيتان، إلا أن الدراسات الحديثة ترجح استحالة وجودها بالشكل المألوف لنا بسبب طبيعة الميثان السائل وصعوبة الظروف هناك. مع ذلك، لا تزال الأبحاث تترك الباب موارباً، بفرضيات محتملة، لكائنات مجهرية قد تتمكن من النجاة في ظروف هذا القمر الغامض.
يظل اكتشاف هذا الغموض في حركة غلاف تيتان الجوي خطوةً مثيرة تمهد الطريق لمزيد من البحث والاكتشافات المقبلة، وتجذبنا جميعاً للترقب والانتظار. وربما في قادم الأبحاث والمهمات، نستطيع تضييق المساحات المظلمة في فهم هذه الظاهرة الفريدة، وتغيير تعبيراتنا من "غريب" إلى "مفهوم". وحتى يأتي ذلك اليوم، تظل حركة تيتان الغامضة لغزاً سماوياً أخاذاً يستحق المتابعة عن قُرب.