دراسة على 7,000 مكان عمل: الشات بوتات لم تؤثر على الأجور أو ساعات العمل

4 د
أظهرت دراسة حديثة أن تأثير الروبوتات الذكية في العمل لا يزال محدودًا.
موظفو الدنمارك الذين استخدموا الذكاء الاصطناعي وفروا 3٪ فقط من وقتهم.
لم تؤدِّ الزيادة الطفيفة في الإنتاجية إلى تحسين الأجور أو شروط العمل.
ركّزت الدقائق الموَفرة على مهام إضافية وتصحيح محتوى أنتجه الذكاء الاصطناعي.
يحث الخبراء على تدريب مكثف ورفع وعي المؤسسات بأهمية الذكاء الاصطناعي.
منذ أن خرج تطبيق «تشات جي بي تي» إلى النور قبل نحو عامين، تسابق الملايين حول العالم لاستخدام روبوتات المحادثة الذكية، في إقبالٍ لم تشهده أي تقنية منذ ثورة الحاسب الشخصي قبل ثلاثة عقود. توقع الخبراء أن هذه البرامج التي تعتمد الذكاء الاصطناعي قد تُحدث ثورة في أعمالنا، وحتى أنها قد تلغي وظائف وتخلق أخرى من الصفر. لكن، هل يمكن أن تكن الحقيقة أقل إثارة مما تخيلنا؟
هذا بالضبط ما كشفته دراسة حديثة صدرت هذا الأسبوع عن المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية (NBER)، تناولت مدى تأثير الروبوتات الذكية في مكان العمل على الموظفين من الناحية المالية وفي ساعات العمل. الباحثان وراء هذه الدراسة، أنديرس هملوم وإميلي فيسترغارد، درسا بيانات 25 ألف موظف في سبعة آلاف مكان عمل بالدنمارك، التي عرفت بمعدلات استخدام مرتفعة للذكاء الاصطناعي وأنظمة تسجيل بيانات دقيقة، ما جعل نتائج الدراسة قريبة من الواقع في أماكن مثل الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية.
بشكل مفاجئ ربما، أوضحت النتائج أن تأثير استخدام هذه التقنيات في الشركات حتى اللحظة لا يزال متواضعاً جداً. بحسب الدراسة، الموظفون الذين استخدموا الذكاء الاصطناعي في إنجاز مهامهم اليومية وفروا ما متوسطه 3 بالمئة من أوقات عملهم فقط. والأمر المفاجئ أكثر هو أن هذه الزيادة المحدودة في الإنتاجية لم تؤدِّ إلى زيادات ملحوظة في الأجور أو تحسين شروط العمل. فعلى الرغم من توقع الكثيرين أن توفّر الوقت سينعكس إيجاباً على دخل الموظف، إلا أن ما نُقل من زيادة محدودة في الإنتاجية إلى الرواتب تراوحت بين 3 إلى 7 بالمئة لا أكثر.
وهذا يقودنا إلى تساؤل آخر: أين ذهبت هذه الدقائق التي وفرها الموظفون بفضل استخدام الذكاء الاصطناعي؟ الجواب هنا ببساطة، أنهم وظفوها في أداء مهام إضافية، غالباً ما ترتبط باستخراج أخطاء محتوى أنتجه الذكاء الاصطناعي أو ابتكار مهام جديدة فرضتها التقنيات الجديدة نفسها. وظهر أن أقل من 10 بالمئة فقط هم من استغلوا تلك الدقائق القليلة في الراحة أو الأنشطة الترفيهية.
وهنا نلمس واحدة من أبرز المعوقات التي كشفتها الدراسة. الواقع في أماكن العمل أكثر فوضوية وتعقيداً من التجارب المخبرية، بحسب تعبير هملوم. بعض الموظفين يستخدمون الذكاء الاصطناعي سراً دون موافقة مديريهم بشكل صريح؛ ما يقطع الطريق أمامهم لاقتراح مهام إضافية أو المطالبة بمزايا وظيفية إضافية. وحتى عندما تسمح المؤسسات بذلك، قلة فقط هي التي تُشجع الموظفين بصورة واضحة وتوفر لهم التدريب الكافي بحيث يستطيعون فعلياً تحقيق ارتفاعات ملحوظة في الإنتاج ومستويات الدخل.
ولذلك يطرح الخبراء دعوة واضحة لتبني تدريب مكثف ورفع الوعي المؤسسي بأهمية الذكاء الاصطناعي وكيفية استخدامه بشكل يقلل من هذه الفجوة. كما تبيّن أن بعض كبار المديرين يتسرعون في تبني الذكاء الاصطناعي بسبب "الخوف من فقدان الفرصة"، قبل أن يُدركوا تماماً قيمته المضافة. وهذا يشرح جزئياً التباين الكبير بين آمال الشركات وتوقعاتها وبين النتائج المتواضعة على أرض الواقع.
ومما يجعل الأمر أكثر تشويقاً، أن دراسة قام بها الاقتصادي المعروف دارون أسيموغلو، صاحب جائزة نوبل، بيّنت سابقاً أن مكاسب الذكاء الاصطناعي في مستويات إنتاجية الاقتصادات المتقدمة لن تزيد على 1.6 بالمئة في العقد القادم. هذا المعدل قد يبدو جيداً، لكنه بعيد كل البعد عن الآمال العريضة التي يروج لها الإعلام وبعض المستثمرين.
ربما، بحسب الخبراء، لا يجب أن ننظر إلى التقنية من زاوية فورية فحسب، بل نفكر في الصورة الأكبر. فالثورة الصناعية نفسها استغرقت عقوداً عديدة حتى استطاعت مجتمعاتنا إدراك جدوى ابتكارات الكهرباء والمحركات البخارية بشكل كامل. وربما تحتاج شركتنا الحالية لمزيد من الوقت قبل أن تستطيع استيعاب فوائد الذكاء الاصطناعي، لكن هذا لا يعني أبداً أنه علينا تجاهل ضرورة التخطيط المستقبلي بشكل أكثر واقعية وتركيز.
في الختام، لعل أهم ما تعلمناه اليوم من خلال هذه الدراسة هو إعادة النظر في توقعاتنا للذكاء الاصطناعي، ولربما يكون من الأفضل تبني لغة أكثر واقعية بدلاً من عبارات مثل "ثورة جذرية" أو "تغييرات جذرية"، وتغييرها إلى مصطلحات أكثر انضباطاً وواقعيةً تعكس واقع التكنولوجيا في بيئة العمل بوضوح وتوازن. يبقى الذكاء الاصطناعي أداة قوية ذات مستقبل واعد، لكنه لن يحقق معجزات بين ليلة وضحاها.