ذكاء اصطناعي

سرّ في جناح ذبابة: اكتشاف يقلب فهمنا لتاريخ الكائنات المائية

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف فريق دولي نوعًا جديدًا من الحشرات المتحجرة عمرها 151 مليون سنة في أستراليا.

تُعد هذه الحفرة أقدم عينة لعائلة الذبابيات اللاسعة في نصف الكرة الجنوبي.

كشف الاكتشاف عن خاصية تطورية فريدة تساعد الحشرة على التثبُّت بالصخور.

تم العثور على الحفرية في تكوين تالبراغار وعزت إلى نوع تلْماتوميا تالبرغاريكا.

شكك الاكتشاف بنظريات سابقة حول أصل عائلة الذبابيات اللاسعة.

في اكتشاف علمي مثير، تمكن فريق دولي من الباحثين بقيادة محطة دونيانا البيولوجية في إسبانيا من تحديد نوع جديد من الحشرات المتحجرة عاش في أستراليا قبل نحو 151 مليون سنة، أي في أواخر العصر الجوراسي. ويُعد هذا النوع أقدم أفراد عائلة الذبابيات اللاسعة (Chironomidae) المعروفين في نصف الكرة الجنوبي، وهي حشرات تعيش عادة في البيئات العذبة وتلعب دوراً مهماً في الأنظمة البيئية المائية.

ويكشف هذا الحفرية الفريدة عن سمة تطورية غير معتادة، إذ وُجد لدى الحشرة هيكل خاص يُعتقد أنه ساعدها على التثبّت بالصخور في قاع الماء، وهي ميزة لم تُعرف سابقاً إلا لدى كائنات بحرية. هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام فهم جديد لقدرة الحشرات القديمة على التكيف مع بيئات متغيرة.

وهذا يقودنا إلى خلفية الموقع الجغرافي الذي خرجت منه الحفرية ودلالاته البيئية.


ذبابة المياه الراكدة في قلب أستراليا القديمة

عُثر على الحفرية في تكوين "تالبراغار" الغني بالأسماك المتحجرة في ولاية نيوساوث ويلز الأسترالية، وشارك في الدراسة باحثون من المتحف الأسترالي، وجامعة نيو ساوث ويلز، وجامعة ميونيخ الألمانية، بالإضافة إلى جامعة ماسي في نيوزيلندا.

أطلق العلماء على النوع الجديد اسم تلْماتوميا تالبرغاريكا (Telmatomyia talbragarica)، أي "ذبابة المياه الراكدة"، إشارةً إلى طبيعة البحيرة القديمة التي كانت تغطي تلك المنطقة. ومن خلال فحص ست عينات متحجرة من الحشرة، منها أطوار العذراء والأفراد البالغة، لاحظ العلماء وجود قرص نهائي يُستخدم للتشبّث في البيئات المتقلبة. وكانت الأدلة الرسوبية تشير إلى أن المنطقة كانت بيئة عذبة، مما يُظهر مرونة مذهلة في تكيف هذا النوع مع بيئته.

ويرتبط هذا التحليل مباشرة بنقاش أوسع حول أصل هذه العائلة الحشرية وتاريخ انتشارها عبر القارات القديمة.


إعادة النظر في أصل عائلة الذبابيات اللاسعة

يُعد فرع الـ"بودونومينا" (Podonominae) من هذه العائلة نموذجاً مثالياً لدراسة أنماط توزيع الكائنات وتشكّل التنوع الحيوي عبر الزمن الجيولوجي. كانت النظريات السابقة ترجّح أن هذه الحشرات نشأت شمال قارة غوندوانا القديمة وانتشرت لاحقاً نحو لوراسيا شمالاً، لكن ندرة الحفريات وصعوبة حفظها جعلت الصورة غير مكتملة.

غير أن اكتشاف حفريات أقدم في أوراسيا جعل بعض الباحثين يفترضون نشأتها في الشمال، إلى أن جاءت حفرية "تالبرغاريكا" لتقلب هذه الفرضية رأساً على عقب، مُقدّمةً دليلاً قوياً يشير إلى أن منشأ هذه الفصيلة كان في النصف الجنوبي من الكوكب قبل أن تنتشر عالمياً.

ومن هنا تتضح العلاقة بين الاكتشاف الجديد وفهمنا لتاريخ انفصال القارات وتكوين التنوع الحيوي.


قيود البحث وأهمية الاستمرار في التنقيب

على الرغم من أهمية الحفرية التي تملأ فجوة كبيرة في السجل الأحفوري لعائلة الـPodonominae، فإن النقص الملحوظ في الاكتشافات من نصف الكرة الجنوبي ما زال يحدّ من فهمنا الكامل لأصل هذه الكائنات. فمعظم الحفريات المعروفة تعود إلى الشمال، مع وجود حالتين فقط سُجلتا سابقاً في أستراليا والهند.

ويحذر علماء مثل ماثيو مككوري من المتحف الأسترالي من أن هيمنة الأبحاث الشمالية على مجال علم الحفريات تُنتج أحياناً تصورات خاطئة عن أماكن النشوء الأصلية للكائنات. أما البروفيسور ستيف ترويك من جامعة ماسي فيؤكد أن العثور على حشرات مائية دقيقة كهذه يُعد خطوة نادرة ومهمة لفهم تاريخ الحياة على الأرض.

ويفتح هذا الاكتشاف الباب أمام دراسات جينية ومقارنات تطورية بين الأنواع القديمة والحديثة لفهم ما إذا كان انتشار هذه الحشرات بعد تفكك قارة غوندوانا حدث بفعل الهجرة الفعلية أو بفعل التشتت السلبي عبر التيارات والعوامل الطبيعية.

ذو صلة

إعادة رسم خريطة تطور الحياة على الأرض

يمثل هذا الكشف نافذة جديدة على ماضي الكوكب، إذ يسلط الضوء على تطور الحشرات في البيئات العذبة ودورها في التوازن البيئي منذ عصور غابرة. كما يؤكد أن بعض الإجابات حول نشوء وتوزع الكائنات الحية لا تزال مدفونة في الصخور الجنوبية، تنتظر من يكشف عنها لتُعيد رسم خريطة الحياة كما نعرفها اليوم.

ذو صلة