ذكاء اصطناعي

نصف الكرة يظلم ببطء… توازن الطاقة على حافة الانهيار!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

أظهرت الدراسة أن الأرض تعكس كميات أقل من ضوء الشمس نحو الفضاء.

تراجعت انعكاسية سطح الأرض بشكل ملحوظ بين عامي 2001 و2024.

ذوبان الجليد البحري أدى إلى انكشاف مساحات تمتص الطاقة بدلاً من ردها.

في الجنوب، يعوّض الهباء الجوي جزئياً تراجع البياض.

التغير في الانعكاسية قد يفاقم مسار الاحتباس الحراري ويؤثر على المناخ.

أعلنت دراسة علمية حديثة أن كوكب الأرض أصبح يعكس كميات أقل من ضوء الشمس نحو الفضاء، وهو ما قد يحمل تأثيرات بعيدة على النماذج المناخية وتوازن الطاقة بين نصفي الكرة الأرضية. هذا الاكتشاف الذي استند إلى تحليل بيانات استمر أكثر من عقدين يفتح الباب لفهم جديد حول كيفية تفاعل الأرض مع الإشعاع الشمسي، وما إذا كانت الظاهرة تعكس تسارعاً في تغير المناخ.

في التفاصيل، تشير الدراسة المنشورة في مجلة أمريكية مرموقة إلى أن **انعكاسية سطح الأرض** أو ما يعرف بظاهرة "البياض" قد تراجعت بشكل ملحوظ بين عامي 2001 و2024، لاسيما في **النصف الشمالي** من الكرة الأرضية مقارنة بالشمالي. ويعني ذلك ببساطة أن سطح الأرض لم يعد يعكس أشعة الشمس بنفس القوة السابقة، ما يسمح بامتصاص حرارة أكبر. وهذا يربط مباشرة بين التفاوت المسجل في الانعكاسية وبين مسار الاحترار العالمي.


الشمال يفقد بياضه

أبرز ما رصدته الدراسة هو الانخفاض المتسارع في انعكاس أشعة الشمس في مناطق القطب الشمالي. السبب الرئيسي يعود إلى ذوبان **الجليد البحري** وانحسار الغطاء الثلجي، ما أدى إلى انكشاف مساحات مائية وصخرية داكنة تمتص الطاقة بدلاً من ردّها. هذا التغير البصري الصغير ينعكس بدوره على توازن الطاقة الكوكبي، حيث إن فقدان بضعة أعشار من الواط لكل متر مربع يمكن أن يترك آثاراً تراكمية ضخمة بمرور الوقت. ومن هنا يظهر الرابط المباشر بين البيانات المسجلة وارتفاع حرارة القطبين وتسارع ذوبان الجليد.

ومع النظر إلى النصف الآخر من الكوكب، يتضح أن الصورة ليست متطابقة تماماً، بل تشهد فروقاً مميزة ناتجة عن عوامل أخرى.


الجنوب وتأثير الهباء الجوي

في نصف الكرة الجنوبي، لعبت **الجسيمات الدقيقة أو الهباء الجوي** دوراً مضاداً نسبياً لظاهرة فقدان الانعكاسية. انبعاثات ناتجة عن حرائق الغابات في أستراليا وانفجارات بركانية مثل ثوران **تونغا 2021-2022** ساهمت في زيادة تركيز الجسيمات التي تساعد على تكوين غيوم تعكس أشعة الشمس. وهذا بدوره عوّض جزئياً التراجع في البياض هناك. أما في الشمال، فإن تشديد قوانين حماية البيئة خفّض معدلات التلوث الصناعي والهباء الجوي، ما جعل أثر فقدان الجليد أكثر وضوحاً. وهكذا يتضح كيف أن التوازن بين نصفي الكرة الأرضية يتأثر بمزيج معقد من العوامل الطبيعية والبشرية معاً.

ومع إدراك هذا التباين المناخي، يبرز سؤال محوري: كيف ستتعامل النماذج المناخية المستقبلية مع هذا التغيير في مدخلات الطاقة الكوكبية؟


أهمية الأرقام الصغيرة

رغم أن الدراسة تصف الانخفاض في الانعكاسية بأنه صغير نسبياً، إلا أن تأثيره يتضاعف مع مرور العقود. فالفارق في متوسط امتصاص الإشعاع الشمسي، والمقدّر بحوالي **0.34 واط لكل متر مربع كل عشرة أعوام**، قد يبدو متواضعاً، لكنه عند جمعه ضمن النظام المناخي الهش يظهر أثره في إذابة الجليد، وارتفاع مستويات البحار، وتغير أنماط الطقس. هذا يربط بين المعطيات الحديثة وما نشهده من موجات حر وجفاف متصاعدة في مناطق عدة من العالم.

ذو صلة

خلاصة

الدراسة الجديدة تسلّط الضوء على تحول صامت يحدث في سماء الكوكب وعلى سطحه في آن واحد. فالأرض التي صارت أغمق قليلاً تمتص قدراً أكبر من حرارة الشمس، ما قد يفاقم مسار الاحتباس الحراري. ورغم أن الجنوب يجد في غيومه المؤقتة عامل تبريد نسبي، فإن الشمال يخسر جليده بوتيرة مقلقة. الخلاصة أن هذه الأرقام الصغيرة هي في جوهرها رسالة تحذير كبيرة: التغير المناخي ليس مجرد ظاهرة مستقبلية، بل مسار جارٍ يتعين التعامل معه بسياسات أكثر حزماً ووعي مجتمعي أشمل.

ذو صلة