عندما كانت العناكب تسيطر: مخلوقات عملاقة أرعبت الأرض قبل 165 مليون سنة

3 د
اكتشف علماء الحفريات نوعاً جديداً من العناكب العملاقة في منغوليا الداخلية، عاش قبل 165 مليون عام.
أعيد تصنيف النوع من "نيفيلا جوراسيكا" إلى جنس جديد هو "مونغولاراخني"، نتيجة خصائص تشريحية فريدة.
يعتبر هذا الاكتشاف الأضخم من نوعه في تاريخ الأحافير العنكبوتية، ويفتح آفاقاً جديدة لفهم تطور العناكب.
تشير التحليلات إلى انحدار هذه العناكب من سلالات بدائية تختلف عن العناكب الحديثة في البنية والسلوك.
في أعماق الطبقات البركانية القديمة لمنطقة منغوليا الداخلية، وعلى بُعد 165 مليون عام من عصرنا الحالي، تمكّن علماء الحفريات من كشف أسرار نوع منقرض من العناكب العملاقة التي عاشت في العصر الجوراسي، والتي تُعيد النظر كليًا في تصورنا السابق عن مفترسات ما قبل التاريخ. الاكتشاف – الذي وصف بأنه نادر واستثنائي – لا يكشف فقط عن حجم هذه الكائنات، بل عن أصولها التطورية المعقدة وسلوكها البيئي.
من رماد البراكين وُلد السر: عناكب "مونغولاراخني جوراسيكا"
تم العثور على أولى هذه الأحافير في عام 2005، عندما اكتشف مزارعون من بلدة ووهوا في الصين أنثى عنكبوت محفوظة بدقة مذهلة في تكوين جيولونغشان الصخري. بلغ طول جسمها نحو 24.6 ملم، فيما امتدت أرجلها الأمامية إلى أكثر من 56 ملم، ما دفع العلماء في البداية إلى تصنيفها ضمن جنس "نيفيلا جوراسيكا" المرتبط بعناكب "نيفيلا" الذهبية المعروفة في عصرنا الحديث، والتي تنسج شبكات حريرية هائلة تمتد لأكثر من متر ونصف.
لكن هذا التصنيف سرعان ما انهار عام 2013، عندما عُثر على ذكر من النوع ذاته في نفس المنطقة، بطول جسم يبلغ 16.5 ملم وأرجل أمامية أطول من تلك لدى الأنثى. التحليل التفصيلي أظهر خصائص تشريحية فريدة لا تتماشى مع العناكب المعروفة، بل تشير إلى انتمائها لما يُعرف بـ "العناكب المغزلة البدائية"، والتي تفتقر إلى الغدد اللاصقة وتستخدم خيوطاً خشنة شبيهة بـ"الڤيلكرو" للإمساك بفرائسها، ما قاد إلى تصنيف جديد تماماً: جنس "مونغولاراخني".
جنس جديد... وعائلة تطورية غير متوقعة
هذا التغيير في التصنيف لم يكن مجرد تعديل تقني، بل أدى إلى إنشاء عائلة جديدة بالكامل: مونغولاراخنيداي، والتي تنفصل تطوريًا عن خط "نيفيلا" الشهير. بخلاف العناكب الحديثة التي تُظهر اختلافاً واضحاً بين الذكور والإناث، فإن عناكب مونغولاراخني لا تُظهر فروقًا جنسية ملحوظة، ما يشير إلى نمط تطوري مستقل لا يشبه كثيراً أنماط التخصص الجنسي المعروفة في العناكب الحديثة.
تشير الدراسات المقارنة إلى أن هذه العناكب قد تكون أقرب إلى عائلة "دينوبيديا"، أو ما يُعرف بـ "عناكب الشِباك الرامية"، وهي عناكب تستخدم شباكاً شبه دائرية لاصطياد الفرائس، دون الحاجة إلى خيوط لزجة. كما ربطت التحليلات بين هذه العناكب وعائلات أخرى نادرة مثل "نيكوداميديا" و"أوستروكيليديا"، ما يفتح الباب أمام إعادة رسم شجرة تطور العناكب من جديد.
أضخم أحافير عناكب عرفها التاريخ
بحسب ما أكده علماء الحفريات، فإن أحافير مونغولاراخني جوراسيكا تُعد الأكبر على الإطلاق من بين جميع العناكب الأحفورية المكتشفة حتى الآن. حجمها الضخم، وبنيتها التشريحية، وخصائصها البيئية تدل على أنها كانت تلعب دوراً مفترساً بارزاً في النظم البيئية القديمة.
تم حفظ هذه الكائنات كأحافير انضغاطية داخل صخور رماد بركاني متطبق ودقيق، وهي بيئة نادرة تُتيح الحفاظ على أدق تفاصيل البنية الجسدية، ما يُعزز من موثوقية البيانات المستخلصة منها، ويفتح آفاقًا جديدة لفهم مسارات تطور العناكب خلال حقبة الميزوزويك.
ما الذي يجعل هذا الاكتشاف مختلفاً؟
بعيداً عن الحجم الهائل للعناكب المكتشفة، فإن أهم ما يكشفه هذا الاكتشاف هو التنوع المجهول الذي ميّز الحياة في العصر الجوراسي، خصوصاً في فئة الكائنات المفصلية. حتى اليوم، كان يُعتقد أن العناكب في ذلك الزمن تتبع أنماط تطورية قريبة من الأنواع الحالية، لكن أحافير "مونغولاراخني" تثبت أن ثمة فروعاً مفقودة في شجرة التطور ما زلنا نكتشفها قطعةً قطعة.
إن إعادة تصنيف كائن أحفوري على هذا النحو لا تُعد مسألة شكلية، بل لها تأثيرات عميقة على فهمنا لتاريخ الحياة، وعلى تصورنا لتوازنات النظم البيئية القديمة. فما الذي كانت تفترسه هذه العناكب؟ وما الكائنات التي كانت تلاحقها؟ وهل انقرضت بفعل تغيرات بيئية أم بسبب منافسة شرسة من أنواع أخرى؟ كل هذه الأسئلة أصبحت الآن مطروحة بقوة في أوساط البحث العلمي.