ذكاء اصطناعي

قد نكون مخطئين تمامًا بشأن أصول البشر: جمجمة عمرها 8.7 ملايين سنة تقلب النظريات السائدة رأسًا على عقب

مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

عُثر في تركيا على جمجمة جزئية عمرها 8,7 ملايين سنة تعود لنوع جديد من القردة المنقرضة يُدعى Anadoluvius turkae.

يُرجّح أن هذا الكائن عاش في بيئة غابات جافة، وكان بحجم شمبانزي ذكر أو غوريلا أنثى.

يرى باحثون أن القردة الأحفورية في أوروبا وشرق المتوسط قد تكون أول أسلاف الهومينينات.

يشير البحث إلى أن الهجرة إلى إفريقيا ربما حدثت لاحقاً نتيجة تغيّرات بيئية، مما يعيد النظر في النظرية التقليدية التي تعتبر إفريقيا منشأ الإنسان.

في تحولٍ مثير في نظرة العلم إلى أصول الإنسان، قدّم فريق دولي من الباحثين دليلاً جديداً يعيد إشعال الجدل حول الموقع الحقيقي لنشأة أسلاف البشر. وبينما لا يزال الرأي العلمي السائد يقرّ بأن أصل الإنسان العاقل Homo sapiens يعود إلى إفريقيا، تشير اكتشافات جديدة إلى احتمال أن تكون السلالة البشرية قد بدأت مسيرتها التطورية في أوروبا والبحر الأبيض المتوسط الشرقي، قبل أن تنتقل لاحقاً إلى إفريقيا.


اكتشاف أحفوري استثنائي في تركيا

في عام 2015، عثر فريق علمي بقيادة البروفيسورة أيلا سِڤيم إيرول من جامعة أنقرة في تركيا، والبروفيسور ديفيد بيغن من جامعة تورونتو في كندا، على جمجمة جزئية لفصيلة قردة منقرضة في موقع أثري عمره 8.7 ملايين سنة قرب مدينة تشانكيري الواقعة في شمال وسط تركيا. ما ميّز هذه الجمجمة أنها احتوت على الجزء الأمامي من تجويف الدماغ، بالإضافة إلى معظم بنية الوجه، وهو ما أتاح للعلماء إجراء تحليل شامل ودقيق باستخدام تقنيات التصوير المرآوي لإعادة بناء شكل الوجه.

استناداً إلى هذه التفاصيل، صنّف العلماء البقايا الأحفورية كنوع جديد من القردة العليا المنقرضة وأطلقوا عليه اسم Anadoluvius turkae، نسبة إلى منطقة الأناضول وتركيا. وتشير تقديرات الباحثين إلى أن هذا الكائن كان يعيش في بيئة غابات جافة ومفتوحة، وكان حجمه قريباً من حجم شمبانزي ذكر كبير أو غوريلا أنثى متوسطة الحجم.


ماذا يعني هذا الاكتشاف لعلم تطوّر الإنسان؟

نُشرت نتائج الدراسة في مجلة Communications Biology في أغسطس 2023، حيث أثبت الباحثون أن القردة الأحفورية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ومنها Anadoluvius turkae، تنتمي إلى أول فرع تطوري في تحت فصيلة Homininae، التي تضم القردة العليا (البونوبو، والشمبانزي، والغوريلا، والإنسان). ويُعدّ هذا الاكتشاف دليلاً إضافياً على أن بعض الأسلاف الأوائل لما يُعرف اليوم بالإنسان، قد نشأوا وتطوّروا خارج إفريقيا.

في بيان له، صرّح البروفيسور ديفيد بيغن:


"تشير نتائجنا إلى أن تطوّر الهومينينات لم يقتصر على إفريقيا، بل بدأ في غرب ووسط أوروبا، واستمر هناك لأكثر من خمسة ملايين عام، ثم انتقلوا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، ومنه إلى إفريقيا لاحقاً، على الأرجح نتيجة التغيّرات المناخية وتراجع الغابات."


تشكيك في الرواية التقليدية

يُذكر أن الرواية العلمية المعتمدة منذ عقود، والمعروفة باسم "النظرية الأفريقية"، تفترض أن أسلاف البشر تطوروا في شرق إفريقيا، ثم بدأوا بالهجرة شمالاً نحو أوروبا وشرقاً نحو آسيا. وقد استندت هذه النظرية إلى وفرة الأدلة الأحفورية في إفريقيا، ومنها هياكل مثل Australopithecus afarensis الشهير بـ"لوسي"، والعديد من الاكتشافات الأخرى التي تعود إلى 2 – 7 ملايين سنة.

لكن الاكتشاف التركي يضيف قطعة مهمة إلى هذا اللغز الطويل، إذ يسبق في تاريخه عدداً كبيراً من الحفريات الإفريقية، ويرجّح أن يكون هناك أصل أوروبي-متوسطي سابق للهجرة الأفريقية، وليس العكس. وهذا ما يعيد إحياء نظرية أقدم، كان قد تراجع تأثيرها، وهي نظرية "الأصل المتوسطي" التي تشير إلى أن أسلاف البشر ربما نشؤوا في أوروبا والبحر الأبيض المتوسط قبل أن ينتقلوا إلى القارة السمراء.


ما الخطوة التالية؟

ذو صلة

يرى العلماء أن الاكتشاف يفتح الباب أمام دراسات جديدة في مناطق شرق المتوسط، خاصة تركيا واليونان وبلغاريا، والتي قد تحتوي على حفريات قادرة على تغيير مفهومنا حول نشأة الإنسان. كما أن ربط هذا الاكتشاف بالتحولات البيئية الكبرى التي حصلت قبل ملايين السنين، قد يساعد في فهم العوامل التي دفعت هذه الأنواع إلى الهجرة والتكيف مع بيئات مختلفة، بما فيها السافانا الأفريقية لاحقاً.

ومن المهم الإشارة إلى أن هذا الاكتشاف لا ينفي بالضرورة أن إفريقيا لعبت دوراً مركزياً في تطوّر الإنسان العاقل، بل يعيد رسم خريطة تطوّر الهومينينات الأقدم، ويوسّع النظرة الزمنية والجغرافية للمسار التطوري الذي قاد في النهاية إلى ظهور البشر.

ذو صلة