في قلب باريس… أنفاق الموت تمتد لـ150 ميلاً وتبتلع 6 ملايين جثة

2 د
تمثل سراديب باريس مزارًا غامضًا تحت شوارع المدينة، تستقطب زوارًا بأعداد كبيرة سنويًا.
نُقلت العظام إلى الكاتاكومب كحل صحي خلال القرنين 18 و 19 بسبب اكتظاظ المقابر.
يغري المكان زواره بجو خفيف البرودة على عمق 20 مترًا، مما يجعله ملاذًا في الصيف.
تُقدم الزيارة تجربة ثقافية غنية، تمزج بين الرعب والجمال وتستفز التفكير في الحياة والموت.
تحتفظ السراديب بذاكرة عميقة للأحداث التاريخية مؤثرة على حياة باريس عبر العصور.
تحت شوارع مدينة باريس الساحرة، التي اعتاد العالم أن يربط اسمها بالجمال والأناقة والثقافة والرومانسية، يمتد عالم خفي غامض لا يعرفه الكثير من مرتاديها. ربما سمعت يوماً عن سراديب الموتى أو ما يعرف بـ "الكاتاكومب"، هذا المكان الأسطوري الذي يُعد واحداً من أكثر أماكن العالم غرابة، حيث تزين جدرانه جماجم وعظام حوالي ستة ملايين شخص على امتداد شبكة معقدة من الأنفاق تمتد لمسافة 150 ميلاً تحت الأرض.
بدأت قصة سراديب الموتى في باريس أواخر القرن الثامن عشر، عندما واجهت العاصمة الفرنسية مشكلة صحية كبرى نتيجة اكتظاظ مقابر المدينة، إذ تسببت ظروف الدفن غير الصحية في تفشي الأمراض والأوبئة. قرر المسؤولون في ذلك الوقت نقل رفات الموتى من المقابر التقليدية المكتظة إلى هذه الأنفاق والممرات الموجودة تحت الأرض لتصبح مستودعاً هائلاً للعظام، واستمرت عملية النقل حتى عام 1860.
في الواقع، ليس كل ما هو موجود تحت الأرض متاحاً أمام الزوار؛ فالشبكة الكاملة من الأنفاق تمتد على مسافة 174 ميلاً، في حين أن الجزء المفتوح للزيارة لا يتجاوز 1.5 كيلومتر فقط. وتنخفض هذه السراديب إلى عمق 20 متراً تحت سطح الأرض، حيث يستقبل الزوار هواء منعش بدرجة حرارة ثابتة لا تزيد عن 14 درجة مئوية طوال العام، ما يجعل المكان ملاذاً رائعاً في أثناء الصيف الحار.
وبالفعل، باتت سراديب باريس معلماً سياحياً فريداً من نوعه، يستقطب سنوياً ما يزيد على نصف مليون زائر، ممن يتجولون بين صفوف متراصة بدقة وإتقان من الجماجم والعظام التي تم ترتيبها بعناية واهتمام، مشكّلة لوحات فنية بقدر ما هي ذاكرة حية لتاريخ باريس وما مرت به من أحداث وتحولات اجتماعية وصحية. وفق تعليقات السياح على موقع "تريب أدفايزور"، تُعد هذه الرحلة تجربة استثنائية وغنية بالمعرفة، تمزج بشكل غريب بين الجمال والرعب وتثير التساؤلات حول مفاهيم الحياة والموت والذاكرة.
إن قوة سراديب الموتى في باريس تكمن في ما تعكسه من احترام للماضي وتكريم لمن رحلوا، وإلى جانب كونها وجهة سياحية مشوقة، تحمل في طياتها ذاكرة عميقة للأحداث التاريخية التي شكلت العاصمة الفرنسية وأثرت على حياة سكانها عبر العصور.
ولعل السراديب ما زالت بحاجة إلى المزيد من العناية في الترويج لها بشكل ذكي يبرز قيمتها التاريخية والثقافية. وعوضاً عن وصف المكان فقط بالمرعب أو الغريب، ربما من الأفضل أن تثار أسئلة حول المسؤولية التاريخية ورحلة البشر في الحفاظ على ذكرى من سبقونا؛ وبإضافة جمل ربط أكثر تحديداً بين فقرات المقال، يمكن للقارئ أن يلمس تعمقاً أكبر في فهم تاريخ هذا المكان المميز، حيث تظل تلك الأنفاق الخفية شاهداً حياً على تاريخ باريس، وفرصة لمحبي المغامرات التاريخية لدخول عالم آخر يختلف تماماً عما اعتادوا عليه فوق الأرض.