أغاني النجوم: أصواتٌ لا نسمعها… لكنها تروي قصصًا كونية خفية

3 د
تُمكّن الزلازل النجمية العلماء من "الاستماع" إلى ترددات داخلية تكشف بنية النجم وتاريخه.
أظهرت دراسة جديدة على نجوم عنقود M67 أن بعض الترددات "تتوقف" في مرحلة حرجة من حياة النجم.
هذا التوقف مرتبط بعمق الطبقة الخارجية وتفاعلها مع المناطق الحساسة داخل النجم.
يمكن استخدام هذه الترددات لتحسين تقدير أعمار النجوم وفهم تطور مجرتنا بدقة أكبر.
في دراسة جديدة نُشرت في مجلة Nature بتاريخ 3 أبريل 2025، كشف علماء الفلك عن اكتشاف مذهل يعيد تشكيل فهمنا لتطور النجوم وتاريخ مجرتنا: النجوم العملاقة، مثلها مثل البشر، تمتلك "أغانيها" الخاصة، أو ما يعرف بـ"زلازل النجوم" (Starquakes)، وهي اهتزازات ضخمة ناجمة عن فقاعات غازية تنفجر على سطح النجوم وتبعث بموجات صوتية تعبر باطنها بالكامل.
هذه التذبذبات، التي تتجلى على شكل تغيّرات دقيقة في سطوع النجم، تمثل بصمة موسيقية فريدة يمكن من خلالها "الاستماع" إلى تركيبة النجم الداخلية وتاريخه التطوري. ولأول مرة، تشير الدراسة إلى أن هذه "الأغاني" تحمل مفاتيح لفهم أعمق لتاريخ النجوم وتفاعلاتها الداخلية – بل وحتى لفهم تطور مجرتنا.
ما الذي يجعل النجوم تغنّي؟
تمامًا كما يحدث عندما يغلي الماء في قدر، تمتلك العديد من النجوم طبقات خارجية تغلي – حيث ترتفع فقاعات الغاز الساخن نحو السطح وتنفجر، مسببة اضطرابات تنتقل عبر جسد النجم بأكمله. ينتج عن ذلك اهتزازات عند ترددات معينة، تُعرف باسم "الترددات الرنانة".
وباستخدام تلسكوب كيبلر الفضائي خلال مهمته K2، تمكن الباحثون من مراقبة هذه الترددات عبر مجموعة واسعة من النجوم العملاقة في عنقود النجوم M67، الواقع على بُعد نحو 3000 سنة ضوئية من الأرض. ويُعد هذا العنقود من أبرز الحواضن النجمية التي تشبه في تركيبتها الكيميائية الشمس، مما يجعله نموذجًا مثاليًا لدراسة تطور النجوم المشابهة لشمسنا.
عنقود يغنّي... ونغمة واحدة عالقة!
من خلال تحليل "الأغاني النجمية" في عنقود M67، لاحظ العلماء أن بعض النجوم "تتوقف" عن تغيير ألحانها عند نقطة معينة في دورة حياتها، وكأنّ أسطوانة موسيقية علقت على نغمة واحدة. يحدث ذلك عندما تصل الطبقة الخارجية للنجم – الطبقة المتقلبة التي تنقل الحرارة – إلى عمقٍ كبير يجعلها تشكل حوالي 80% من كتلة النجم.
في هذه المرحلة، يصل الحد الداخلي لتلك الطبقة إلى منطقة حساسة داخل النجم، حيث تحدث تغييرات حادة في سرعة الصوت، ما يؤثر بدوره على حركة الموجات الصوتية. النتيجة؟ توقف مفاجئ في ترددات معينة تُعرف باسم "الفواصل الصغيرة" (Small Spacings).
من صوت النجم إلى عمره وتاريخه
هذه الفواصل الصغيرة كانت تُعتبر سابقًا غير ذات أهمية كبيرة في النجوم العملاقة، خاصة بعد أن تكون قد استنفدت وقودها الأساسي من الهيدروجين في القلب. لكن الدراسة الجديدة أظهرت أن لهذه الفواصل قدرة على الكشف عن سمك الغلاف الهيدروجيني المحيط بالنواة، ومكانه، وحتى مدى اقترابه من المناطق الحساسة داخل النجم.
والمثير في الأمر أن هذه الترددات "العالقة" تتغير بحسب كتلة النجم وتكوينه الكيميائي، مما يتيح للعلماء تقدير عمر النجم بدقة أعلى من أي وقت مضى.
ما تقوله النجوم عن ماضي مجرتنا
النجوم لا تنمو في فراغ. فهي تحفظ في تكوينها "بصمات" بيئتها الأصلية. ومن خلال فهم أعمار النجوم وتاريخ تطورها، يمكن للعلماء إعادة بناء المراحل التي مرت بها مجرتنا "درب التبانة" – بما في ذلك عمليات الاندماج مع مجرات أصغر، وفترات الانفجار النجمي، وتوزيع العناصر الكيميائية في أرجاء المجرة.
وعنقود M67، الذي يحتوي على نجوم شبيهة بالشمس، يقدم أيضًا لمحة عن مصير شمسنا نفسه، خلال المليارات القادمة من السنوات.
خطوة جديدة في علم الزلازل النجمية
الدراسة بقيادة كلوديا رييس، الباحثة ما بعد الدكتوراه في كلية أبحاث الفلك والفيزياء الفلكية في الجامعة الوطنية الأسترالية، تمثل نقلة نوعية في علم "الزلازل النجمية" (Asteroseismology). فهي لا توسّع فقط من معرفتنا بتطور النجوم، بل تدعونا أيضًا لإعادة فحص البيانات القديمة التي جمعناها عبر العقود – لنستمع مرة أخرى إلى تلك النجوم، لكن هذه المرة بأذن أكثر خبرة، وبتساؤلات جديدة عما يجب أن ننتبه له.
لقد أصبحت "أغاني" النجوم أكثر من مجرد ظاهرة جمالية؛ إنها أداة دقيقة تفتح لنا نوافذ على أعماق الزمن الكوني.