نظرية جديدة تكشف أن الكويكبات الجليدية قد تكون مصدر مياه الأرض القديمة!

4 د
أظهرت الدراسات أن المياه كانت موجودة على الأرض بعد 100 مليون سنة فقط من تشكل الشمس، مما يرجح أنها جاءت من مصدر خارجي.
أثبتت تحاليل نسبة الديوتيريوم في الماء أن الكويكبات الغنية بالكربون كانت المصدر الأقرب لمياه الأرض، وليس المذنبات.
تقترح النظرية الجديدة أن الكويكبات أطلقت بخار الماء عند تسخينها، مما أدى إلى تكوين قرص مائي حول الشمس، سقطت منه المياه على الكواكب الداخلية.
سيتم اختبار الفرضية من خلال البحث عن أدلة على وجود أقراص مائية مشابهة في أنظمة نجمية أخرى باستخدام تلسكوب ALMA.
عندما تشكلت الأرض لأول مرة، كانت شديدة الحرارة بحيث لم تتمكن من الاحتفاظ بالجليد، مما يعني أن كل المياه الموجودة على كوكبنا اليوم لا بد وأنها جاءت من مصدر خارج الأرض.
تشير دراسات الصخور الأرضية القديمة إلى أن المياه السائلة كانت موجودة على الأرض منذ 100 مليون سنة فقط بعد تشكل الشمس، وهو ما يُعتبر زمنًا قياسيًا بمقياس علم الفلك. ومنذ ذلك الحين، استمرت المياه في التجدد من خلال الدورة المائية لكوكبنا. وقد طرحت مؤخرًا مجموعة بحثية فرضية جديدة تفسر كيفية وصول الماء إلى الأرض لأول مرة.
لغز قديم يحير العلماء لعقود
لطالما تساءل علماء الفيزياء الفلكية عن أصل المياه على كوكب الأرض. في البداية، افترض العلماء أن الماء نشأ من داخل الأرض، حيث كان يُعتقد أن البراكين أطلقت كميات كبيرة من بخار الماء أثناء الثورات البركانية. لكن في التسعينيات، بدأ هذا التصور بالتغير بعد تحليل تركيبة المياه الأرضية، حيث اتجهت الأنظار إلى الفضاء كمصدر محتمل للمياه.
تم اقتراح المذنبات كأحد المصادر الرئيسية، فهي تتكون من الجليد والصخور وتتكون في المناطق البعيدة من النظام الشمسي. وعندما تقترب من الشمس، تتبخر مكوناتها الجليدية، مشكّلة ذيولًا مرئية من الغبار والغازات. كما لُوحظ أن الكويكبات، التي تتركز في الحزام الواقع بين المريخ والمشتري، قد تكون مصدرًا آخر للمياه.
كيف تأكد العلماء من مصدر المياه؟
درس العلماء الصخور القادمة من الفضاء عن طريق تحليل النيازك – وهي شظايا صغيرة من المذنبات والكويكبات تسقط على الأرض. ولتحديد مصدر المياه، قاس الباحثون نسبة الديوتيريوم (الهيدروجين الثقيل) إلى الهيدروجين العادي في الماء.
أظهرت النتائج أن المياه الأرضية تتطابق بشكل أكبر مع المياه الموجودة في الكويكبات الغنية بالكربون، التي تحمل آثارًا من الماء في تركيبها. أدى ذلك إلى تحويل التركيز من المذنبات إلى الكويكبات باعتبارها المصدر الأساسي للمياه على الأرض.
هل كانت هناك آلية طبيعية لنقل المياه إلى الأرض؟
ركزت الدراسات الحديثة على فهم الآليات التي قد تكون نقلت هذه الكويكبات المليئة بالمياه إلى سطح الأرض الجاف في العصور المبكرة. بعض النظريات افترضت أن التغيرات الجاذبية داخل النظام الشمسي تسببت في اضطراب هذه الأجرام السماوية، مما دفعها إلى الاقتراب من الأرض.
لكن بعض العلماء يعتقدون أن وصول الماء إلى الأرض لم يكن نتيجة لاصطدامات عنيفة فحسب، بل قد يكون قد حدث بطريقة أكثر هدوءًا وطبيعية.
فرضية جديدة تفسر الظاهرة
وفقًا للدراسة الجديدة، فإن الكويكبات كانت مغطاة بالجليد منذ بداية تكوّنها داخل ما يُعرف بالقرص الكوكبي الأولي – وهو قرص ضخم غني بالهيدروجين والغبار يحيط بالنظام الشمسي الناشئ. عندما بدأ هذا القرص في التلاشي بعد بضعة ملايين من السنين، تعرضت الكويكبات للإشعاع الشمسي، ما تسبب في ذوبان الجليد الموجود على سطحها وتحوله إلى بخار ماء.
هذا البخار لم يختفِ في الفضاء، بل تكوّن منه قرص مائي متبخر ظل يدور حول الشمس فوق الحزام الكويكبي. ومع تزايد التبخر، انتشرت جزيئات الماء نحو الكواكب الداخلية، مثل الأرض والزهرة والمريخ وعطارد، مما أدى إلى غمرها في "حمام مائي" فضائي.
كيف استقرت المياه على الأرض؟
عندما تدخل جزيئات الماء في الغلاف الجوي لكوكب ما، فإنها قد تفقد بسهولة في الفضاء بسبب الرياح الشمسية. لكن الأرض كانت تمتلك آلية وقائية حالت دون فقدان المياه. إذا صعدت جزيئات الماء إلى طبقات عليا من الغلاف الجوي، فإنها كانت تتكثف إلى قطرات وتعود إلى السطح على شكل أمطار، وهي العملية التي تعرف بالدورة المائية.
هذا يفسر لماذا احتفظت الأرض بمخزونها من المياه منذ نشأتها حتى اليوم. وعند تحليل كمية المياه الحالية على الكوكب، من المحيطات إلى المياه الجوفية والأنهار والبحيرات، يتضح أن النموذج الجديد قادر على تفسير أصول هذه الكميات بدقة.
هل يمكن إثبات هذه النظرية؟
أحد المفاتيح الرئيسية التي دفعت نحو هذه الفرضية هو التقدم في تقنيات الرصد الفلكي، لا سيما باستخدام مصفوفة تلسكوبات ALMA في تشيلي. من خلال دراسة الأنظمة النجمية الحديثة، وجد العلماء أن الكويكبات في هذه الأنظمة تُطلق غازات مثل أول أكسيد الكربون عند تسخينها، ما يعزز الفرضية بأن المياه كانت تُطلق بنفس الطريقة في النظام الشمسي المبكر.
إضافة إلى ذلك، أكدت بعثات فضائية مثل "هايابوسا 2" و "أوزيريس-ريكس"، التي درست كويكبات مشابهة لتلك التي يُعتقد أنها جلبت الماء إلى الأرض، وجود كميات كبيرة من المعادن المائية، التي لا تتشكل إلا عند تعرضها للماء في الماضي.
بعد بناء هذا النموذج، تم اختبار النظرية عبر محاكاة رقمية تتبعت عملية انبعاث بخار الماء وانتشاره والتقاطه من قِبل الكواكب. أكدت النتائج أن الأرض حصلت على مياهها بهذه الطريقة، بل وتوافقت أيضًا مع الأدلة على وجود المياه في الماضي على كوكب المريخ وحتى على القمر.
مستقبل البحث
لا يزال هناك الكثير من العمل للتأكد من صحة هذه الفرضية بشكل نهائي. فبينما لم يعد من الممكن دراسة قرص الماء البخاري الذي غمر الأرض قبل 4.5 مليار سنة، يمكننا البحث عن أنظمة شمسية ناشئة لمراقبة إذا ما كانت هذه الأقراص موجودة.
إذا تم رصد مثل هذه الأقراص المائية البخارية حول كواكب شابة، فسيكون ذلك دليلًا قويًا على أن النظرية الجديدة تقدم تفسيرًا دقيقًا لأصل المياه على الأرض. فريق البحث حصل بالفعل على وقت لمراقبة هذه الأنظمة باستخدام تلسكوبات ALMA، وقد نكون على أعتاب مرحلة جديدة في فهم نشأة المياه على كوكبنا.