ذكاء اصطناعي

اكتشاف “أعاصير فضائية” ضخمة تدور قرب قلب مجرة درب التبانة

فريق العمل
فريق العمل

3 د

رصد علماء الفلك "أعاصير فضائية" على شكل خيوط غازية رفيعة تدور قرب الثقب الأسود المركزي لمجرة درب التبانة.

تتكون هذه الخيوط من أول أكسيد السيليكون، وتبدو منفصلة عن مناطق تشكل النجوم، مما يُخالف النماذج التقليدية.

يُعتقد أن منشأها موجات صدمة عنيفة نتيجة تفاعلات طاقية في المركز المجرّي.

تم الرصد باستخدام تكنولوجيا متقدمة من مرصد ALMA، وبدقة تصل إلى 0,01 فرسخ فلكي.

في كشف فلكي مذهل قد يُعيد تشكيل فهمنا لبنية وسلوك مركز مجرتنا، رصد علماء الفلك ظاهرة غير مسبوقة وصفوها بـ"الأعاصير الفضائية"، وهي خيوط غازية رفيعة تدور بالقرب من الثقب الأسود الهائل المعروف باسم "القوس أ*" في قلب مجرة درب التبانة.

الحدث الذي نُشر في 20 مارس 2025 ضمن مجلة علم الفلك والفيزياء الفلكية، جاء نتاج تعاون علمي بقيادة كاي يانغ من جامعة شنغهاي جياو تونغ، مستخدمين في رصدهم مصفوفة أتاكاما الكبيرة المليمترية/دون المليمترية (ALMA)، وهي واحدة من أدق المراصد الفلكية في العالم، ما أتاح التقاط أوضح صورة حتى الآن للمركز الغامض للمجرة.


"خيوط دوّارة": أعاصير لا تشبه ما عرفناه من قبل

ما رصده الباحثون ليس مجرد تراكم عشوائي للغاز، بل خيوط غازية دقيقة وطويلة تتصرف بطريقة منسقة، تشبه إلى حد كبير الأعاصير في طبيعتها الحركية، لكنها مختلفة كلياً من حيث المنشأ والمحيط. هذه الخيوط، التي تتكون بشكل أساسي من أول أكسيد السيليكون (SiO)، تمتد على مسافات تقدر بعدة فراسخ فلكية، وتبدو منفصلة تمامًا عن مناطق تشكل النجوم، في مخالفة واضحة للنماذج التقليدية التي تربط مثل هذه الخيوط عادة بالنجوم الشابة أو الانفجارات النجمية.

بحسب تصريحات الباحث المشارك شينغ لو، أستاذ في مرصد شنغهاي الفلكي:


"يمكننا أن نتصور هذه الأعاصير على أنها تيارات عنيفة من الغاز، تتبدد بسرعة وتوزع المواد في البيئة المحيطة بكفاءة عالية."


منطقة جزيئية مركزية مضطربة

المنطقة المعروفة باسم "المنطقة الجزيئية المركزية" (CMZ) في قلب مجرة درب التبانة لطالما اعتُبرت من أكثر البيئات الفلكية تعقيداً، إذ تتلاطم فيها سحب الغاز والغبار المتداخلة تحت تأثير الجاذبية والإشعاعات والانفجارات النجمية المتكررة. ومع ذلك، فإن ما كشفته هذه الدراسة الأخيرة يخرج عن الإطار المعتاد لما يُعرف عن تلك المنطقة، إذ رُصدت خيوط غازية تتحرك بطريقة منسقة، دون ارتباط واضح بانبعاثات الغبار أو بمناطق نشطة لنشوء النجوم.

وتُشير النتائج إلى أن هذه البُنى قد تكون ناتجة عن موجات صدمية عنيفة، ربما نتجت عن أحداث ضخمة مثل انفجارات المستعرات العظمى أو تفاعلات الجاذبية القوية قرب الثقب الأسود، مما يدفع المواد الغازية إلى التشكل على هيئة خيوط رفيعة وسريعة الزوال.


أدوات وتقنيات رصد متقدمة

الفضل في هذا الاكتشاف يُنسب إلى دقة مرصد ALMA في تتبع الجزيئات النادرة في البيئات الكونية القاسية. فقد ركز الباحثون على خط التحول الدوراني لجزيء SiO 5-4، والذي لا يظهر عادة إلا في المناطق التي تتعرض لصدمات عنيفة. كما تم رصد وجود جزيئات عضوية معقدة كالميثانول والأسيتونيتريل والسيانوأسيتيلين، مما يعزز من فرضية أن هذه الخيوط ناتجة عن اضطرابات طاقية عالية جداً.

البروفيسور ييتشين تشانغ من جامعة شنغهاي جياو تونغ أوضح أهمية هذه التقنية، قائلاً:

"سمحت لنا دقة ALMA التي تصل إلى 0.01 فرسخ فلكي بأن نرصد هذه الخيوط الدقيقة في أماكن كان من الصعب الوصول إليها من قبل، وتبيّن لنا أن هذه المنطقة تشهد عملية مستمرة من استنزاف الغاز وتجديده."


الأهمية العلمية والآثار المستقبلية

ذو صلة

لا يُعد هذا الاكتشاف فقط علامة فارقة في فهمنا للبنية الداخلية لمركز المجرة، بل يفتح بابًا جديدًا لفهم آليات توزيع المادة في المناطق القريبة من الثقوب السوداء الهائلة، والتي لا تزال تمثل واحدة من أعقد التحديات في الفيزياء الفلكية المعاصرة. كما أن الدراسة تقدم مفهوماً جديداً لتفاعلات الغاز في البيئات الكونية القصوى، لا يعتمد فقط على الجاذبية والإشعاع، بل على الديناميكيات الناتجة عن موجات الصدمة المتعددة الاتجاهات.

إذا تم التأكد من دور هذه الأعاصير الفضائية في توزيع المادة وتأثيرها على تكوين السحب الجزيئية، فقد يضطر العلماء إلى إعادة النظر في نماذجهم الحاسوبية الخاصة بتكوين المجرات، وربما ستساعد في تفسير ظواهر أُخرى غامضة كالانبعاثات الراديوية المتكررة أو الحركات غير المنتظمة للغاز في مجرات أخرى.

ذو صلة