اكتشاف مفترس ما قبل التاريخ في الكاريبي… تمساح عملاق بطول 20 قدمًا 😦

4 د
عُثر على أحافير تماسيح عملاقة تُعرف بـ"السبسيد" في جزر الكاريبي.
اكتشاف الأحافير يُعيد النظر في وجود حيوانات مفترسة كبيرة في المنطقة قديماً.
الباحثون يقترحون نظرية التنقل عبر "جسور أرضية" لشرح وجود تلك المخلوقات.
الاكتشاف يعزز فهم التاريخ الحيوي لجزر الكاريبي ودورها البيئي قديماً.
الأبحاث تتواصل لاستكشاف المزيد من أسرار العصور الماضية في المنطقة.
تخيّل للحظة أنك تسير على شواطئ جزيرة هادئة في منطقة الكاريبي، تفاجأ بآثار تشير إلى أن حيواناً مفترساً ضخماً، أقرب ما يكون إلى تمساح ضخم لكنه أكثر رشاقة وسرعة، كان في وقتٍ ما يعيش ويطارد فرائسه هنا. قد يبدو الأمر كخيال علمي، ولكنه بات حقيقة بعد الاكتشاف الجديد الذي كشفه علماء الحفريات مؤخراً.
تعود القصة إلى اكتشاف حديث لفريق من الباحثين في جمهورية الدومينيكان، حيث عُثر على أحافير قديمة تظهر وجود كائن مفترس يُسمى "السبسيد" (sebecid)، وهو نوع من التماسيح العملاقة المنقرضة التي سادت فيما مضى أراضي أمريكا الجنوبية. لكن الأغرب أن الاكتشاف الجديد يؤكد أن هذه المخلوقات الضخمة - التي يمكن أن يصل طول بعضها إلى حوالي ستة أمتار - عاشت في جزر الكاريبي لفترة أطول مما كان يعتقد سابقاً.
وهذا يعيدنا إلى ما يعتبر لغزاً طالما حيّر العلماء: فقبل ثلاثة عقود تقريباً، تم العثور على أسنان غريبة في أماكن متفرقة مثل كوبا وبورتوريكو، وهي أسنان حادة الأطراف ومنشارية الشكل، تشير بشكل واضح إلى مفترس بري فتاك. لكن الاعتقاد السائد حينها كان يستبعد أن تكون منطقة البحر الكاريبي قد استضافت أي مفترسات برية بهذا الحجم، فأبقى العلماء هذا اللغز دون حل لفترة طويلة.
لكن الوضع تغير جذرياً عام 2023 عندما عثر الفريق البحثي في الدومينيكان ليس فقط على سِنّ آخر من أسنان هذا المخلوق، بل أيضاً على فقرتين عظميتين سمحتا بوضع تصور واضح ودقيق لماهية هذا الكائن المرعب. النتيجة كانت مفاجئة بشكل كبير، فالكاريبي التي ظلت بعيدة في أذهان العلماء عن تصور وجود حيوانات مفترسة برية كبيرة عليها، اتضح الآن أنها كانت مأوىً وملجأً لآخر مجموعات "السبسيد"، والتي بقيت على قيد الحياة مدة تزيد على خمسة ملايين سنة بعد انقراضها من الأماكن الأخرى.
وهذا يدفع للتساؤل حول كيفية انتقال مخلوق بري ضخم إلى جزر معزولة تفرقها البحار عن القارة الأمريكية الجنوبية الأم. أحد النظريات التي طرحها العلماء للتفسير هي فرضية "غارلانديا"، التي تشير إلى وجود جسور أرضية مؤقتة أو مجموعة جزر متتابعة في الماضي البعيد، مكّنت هذه الحيوانات من التنقل إلى جزر الكاريبي، وما زالت الدراسات مستمرة لتقديم أدلة جديدة تعزز هذه الرؤية.
ولم يكن حجم السبسيّد هو الشيء الوحيد اللافت للنظر، فكيف يعيش تمساح بهذا الحجم وبطريقة حياة كهذه؟ تؤكد الدراسات أنه وعلى عكس تماسيح المياه، كانت السبسيّد حيوانات سريعة للغاية على الأرض، أرجلها الطويلة والرشيقة منحها قدرة استثنائية على الركض السريع وملاحقة الفرائس بصورة تشبه تصرفات الديناصورات آكلة اللحوم.
هذه الاكتشافات تعيد تشكيل نظرتنا إلى التاريخ الحيوي القديم في هذه المنطقة من العالم، وتفتح أمامنا فرصاً جديدة لفهم أشمل للدور الذي لعبته الحيوانات المفترسة في تشكيل البيئة القديمة. يقول جوناثان بلوخ، أمين قسم الحفريات الفقارية في متحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي وأحد المشرفين على الدراسة:
"أن تجد شيئاً كهذا هو أمر يفوق التصور، ويزيد من فضولنا حول الماضي الذي تخبئه هذه المنطقة"
ولا تقتصر الاكتشافات الأخيرة على "السبسيد" فقط، فالفرق البحثية في منطقة الكاريبي كشفت مؤخراً عن أحافير لزواحف بحرية عملاقة تعرف بـ"الموساصورات"، كما تم العثور على أقدم الأحافير المعروفة لحيوانات الكسلان العملاقة في هيسبانيولا. ويبدو أن العمل ما زال في بدايته، كما تؤكد العديد من الدراسات الحديثة التي كشفت أن وصول البشر ربما يكون السبب الرئيسي وراء انقراض بعض أنواع القوارض المختلفة التي كانت تعيش في الجزيرة.
مع كل اكتشافٍ جديد، يزداد شغف العلماء وتعلو حماستهم لإعادة رسم خارطة البيئات والعصور الماضية في هذه المنطقة الاستوائية الدافئة والغنية بالأسرار. وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه العلماء في هذه المنطقة، مثل الظروف المناخية وتعري التربة السريع، تؤكد فرق الحفريات المحلية رغبتها وتصميمها على العمل والبحث في أوقات وظروف محدودة، حيث علّق لازارو فينولا لوبيز، الباحث المسؤول الرئيسي عن الدراسة الحديثة:
"من الصعب العثور على مواقع تحتوي على حفريات قديمة هنا، وعندما نجد واحداً، علينا الإسراع في دراسته قبل أن تُمحى آثارها"
هكذا إذن، وبينما نختتم حديثنا عن هذه الاكتشافات المبهرة، نتساءل ونتشوق لمعرفة ما سيكشفه المستقبل القريب من أسرار إضافية مخبأة في صخور وأراضي هذه الجزر الرائعة، مما يضاعف رغبتنا في الاستمرار بالمتابعة والاطلاع الدائم على ما يعلنه العلماء مع كل موسم جديد من البحث والاستكشاف.