ذكاء اصطناعي

الأرض تخفي سرًّا حيًّا تحت سطحها… اكتشاف طبقة نابضة تُشبه الجلد

الأرض تخفي سرًّا حيًّا تحت سطحها… اكتشاف طبقة نابضة تُشبه الجلد
مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

اكتشف علماء جامعة ميشيغان منطقة حيوية غامضة تحت الأرض بعمق 21 مترًا.

تم العثور على سلالة ميكروبية جديدة "CSP1-3" تسيطر على مجتمعات الميكروبات الجوفية.

الميكروبات الجديدة مختلطة التغذية وتستخدم طرقًا مبتكرة للبقاء في بيئة قاسية.

قد تساهم الاكتشافات الجينية في معالجة المشكلات البيئية والتكنولوجيا الحيوية مستقبلًا.

عندما تسير على الأرض يوميًا، هل تفكر يومًا فيما قد يكون موجودًا تحت قدميك؟ ربما لا يخطر ببالك أبدًا أن هناك عالمًا غنيًا ومثيرًا للدهشة ما زال مجهولًا للبشر. في اكتشاف مدهش، تمكن علماء من جامعة ولاية ميشيغان الأمريكية من التوصل إلى معلومة فريدة قد تغير الكثير مما نعرفه عن النظم البيئية للأرض.


ما هي "المنطقة الحرجة" الغامضة التي اكتُشِفَت تحت سطح الأرض؟

قبل كل شيء، يجب علينا تعريف ما يسمى بـ"المنطقة الحرجة" أو "الجلد الحي للأرض"، والتي تمتد من قمم الأشجار وصولًا إلى أعماق تتجاوز 200 متر تحت الأرض. هذه المنطقة، التي تبدو لنا مجرد تربة عادية، هي في الواقع الوسط الحيوي المسؤول عن تنقية الماء وتكوين التربة وتنظيم دورات تغذية النباتات. وعلى الرغم من أهمية هذه المنطقة الكبيرة، ظلت طبقات عميقة منها بعيدة عن أعين العلماء والباحثين لفترة طويلة جدًا.

كشف الباحثون بقيادة عالم الميكروبيولوجيا جيمس تايدجي عن طريق دراسة نشرت مؤخرًا في دورية "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم" (PNAS)، أن هناك أشكالًا غريبة ومدهشة من الحياة تزدهر في أعماق التربة. وتحديدًا، استطاع العلماء جمع وتحليل عينات للتربة من مواقع خاصة في ولاية أيوا بالولايات المتحدة والصين حتى عمق 21 مترًا تحت الأرض. ما يميز هذه المواقع هو أنها تحتوي على طبقات سميكة ومتجانسة من التربة التي تكشف لنا مجتمعًا ميكروبيًا لم يكن معروفًا من قبل.


اكتشاف فصيلة ميكروبية جديدة ومذهلة

المفاجأة الكبيرة التي أعلن عنها الفريق البحثي كانت اكتشاف سلالة ميكروبية جديدة تمامًا، أطلقوا عليها اسم "CSP1-3". من الأمور المثيرة والمفاجئة أن هذه السلالة الفريدة تسيطر على أكثر من نصف تجمع الميكروبات الموجودة في العينات الجوفية التي استخلصوها. هذه السيطرة الكاملة تعد أمرًا نادرًا للغاية في الطبقات العليا من التربة.

وفقًا للبروفيسور تايدجي، يعتقد كثير من الناس أن الكائنات الدقيقة الموجودة عميقًا في التربة قد تكون خاملة، إلا أن تحليل الحمض النووي الخاص بها أثبت العكس تمامًا: هذه الكائنات تنمو ببطء وتحافظ على نشاطها باستمرار.


أصول غامضة وتكيف فريد

ومن التحليلات الجينية تبين أن هذه البكتيريا الجديدة لها سلف مشترك مع ميكروبات كانت تعيش يومًا في مناطق الينابيع الساخنة والمياه العذبة، قبل أن تهاجر وتستقر في الأعماق الغامضة التي وصفها البحث بأنها أشبه بـ"الغابة المظلمة" تحت الأرض.

أما عن نمط حياتها، فقد بينت الدراسة أن هذه الميكروبات هي "كائنات مختلطة التغذية" (ميكسوتروف)، أي تستطيع الحصول على الطاقة بطرق متعددة. فإلى جانب استخدام المواد الغذائية الموجودة في بيئتها، لديها قدرة على إنتاج مركبات غنية بالطاقة مثل "التريهالوز" لمساعدتها على مواجهة ظروف نقص الموارد القاسية.


طرق مبتكرة للبقاء في الظلام

بالإضافة إلى ما سبق، وجد الباحثون أن لدى هذه البكتيريا طرقًا مميزة للحصول على الطاقة عبر استخدام غازات نادرة أو مركبات غير عضوية، خاصةً في ظل محدودية الأوكسجين وندرة المواد الغذائية. أحد أهم هذه الطرق هو استخدام أكسدة أول أكسيد الكربون الهوائية، وهي آلية تمكن هذه الكائنات الدقيقة من الاستمرار والبقاء على قيد الحياة لفترات طويلة في بيئة صعبة.


مستقبل واعد للاكتشاف الجديد

بحسب الباحث تايدجي، فإن هذه الكائنات تكيفت بشكل استثنائي مع البيئة الفريدة وذلك خلال فترة طويلة من الزمن. وأكثر ما يجعل هذا الاكتشاف في غاية الأهمية، هو وجود جينات محتملة في هذه الميكروبات قد تساهم في إزالة الملوثات البيئية (معالجة بيولوجية)، أو قد تحمل إمكانات واعدة في مجالات التكنولوجيا الحيوية والصيدلة.

يعتقد الباحثون أن هذه الجينات الجديدة يمكنها أن تساعدنا في التصدي لبعض أكبر المشاكل التي تواجه البشرية حاليًا، مثل إزالة المواد السامة من البيئة.

ذو صلة

استكشاف عالم جديد كليًا

وفي الخلاصة، يبدو أن "المنطقة الحرجة" العميقة والمهملة سابقًا تحت أقدامنا قد تتحول الآن إلى كنز ثمين من المعرفة العلمية، يساعد العلماء في فهم التكنولوجيا البيولوجية، وابتكار حلول جديدة للمشاكل البيئية والزراعية والصحية. إنه عالم جديد يتكشف لنا، كلما تعمقنا أكثر في أسرار الأعماق!

ذو صلة