ذكاء اصطناعي

الأنهار الجليدية تذوب والعالم يحتفل: 21 مارس اليوم العالم للأنهار الجليدية

فريق العمل
فريق العمل

4 د

أعلنت الأمم المتحدة يوم 21 مارس 2025 أول "يوم عالمي للأنهار الجليدية"، وسط تحذيرات علمية من تسارع ذوبان الأنهار الجليدية عالمياً.

يؤدي ذوبان الجليد إلى تكوّن بحيرات غير مستقرة، قد تنهار فجأة مسببة فيضانات مدمرة تهدد أرواح ملايين البشر.

تزيد بعض العوامل مثلذوبان التربة الصقيعية وتغيرات داخلية في بنية الأنهار الجليدية من وتيرة الكوارث المرتبطة بها.

تشير دراسة حديثة إلى وجود أكثر من 110 ألف بحيرة جليدية حول العالم، تهدد حياة أكثر من 10 ملايين إنسان.

في لحظة يُفترض أن تكون مخصصة للاحتفال، اختارت الأمم المتحدة أن تجعل من هذا اليوم، 21 مارس 2025، أول "يوم عالمي للأنهار الجليدية"، ضمن إعلانها العام 2025 كـ "السنة الدولية لحماية الأنهار الجليدية". غير أن خلف هذا التكريم الرمزي تكمن حقيقة مقلقة: الأنهار الجليدية في مختلف سلاسل الجبال الجليدية حول العالم تذوب بمعدلات متسارعة، ما ينذر بكوارث بيئية وإنسانية تهدد ملايين البشر.


ذوبان الأنهار الجليدية: أزمة ماء وتهديد حياة

تشير بيانات الأقمار الصناعية إلى أن جبال الألب والبرانس الأوروبية فقدت حوالي 40% من حجم جليدها بين عامي 2000 و2023. ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، أصبحت هذه الكتل الجليدية، التي لطالما كانت مصدراً ثابتاً للمياه العذبة لما يقرب من ملياري إنسان، مهددة بالزوال.

لكن الخطر لا يكمن فقط في نقص المياه، بل في الكوارث المدمرة التي قد تنجم عن ذوبانها. فمع تراجع الأنهار الجليدية، تتشكل بحيرات ضخمة في المنخفضات التي كانت سابقاً مملوءة بالجليد. وغالباً ما تكون هذه البحيرات محاطة بسدود جليدية أو حواجز صخرية غير مستقرة، موروثة من القرون الماضية.

أي زيادة مفاجئة في مستوى المياه، أو انهيار أرضي يهوي إلى البحيرة، قد يؤدي إلى انهيار هذه السدود، مطلقاً سيلاً هادراً من المياه والركام يندفع بسرعات تصل إلى 100 كم/ساعة، مدمراً كل ما يصادفه في طريقه.


كوارث متكررة وذكريات دامية

ما كان يُعتبر ظاهرة نادرة، بات اليوم تهديداً متكرراً. في أكتوبر 2023، تسببت فيضانات مفاجئة ناجمة عن انفجار إحدى البحيرات الجليدية في الهيمالايا بتدمير أكثر من 30 جسراً وسحق محطة لتوليد الكهرباء بارتفاع 60 متراً، ما أسفر عن مقتل أكثر من 50 شخصاً.

وفي مدينة جونو بولاية ألاسكا الأمريكية، تكررت الفيضانات خلال السنوات الأخيرة نتيجة ذوبان جليد نهر "ميندينهول"، ما أدى إلى تدفق المياه من بحيرة جليدية مكونة خلف حاجز جليدي هش، مما سبب أضراراً كبيرة في البنية التحتية والممتلكات.


ذوبان التربة الصقيعية: خطر صامت يتسرب من الأعماق

يُعد ذوبان "التربة الصقيعية" – وهي الأرض المتجمدة بشكل دائم في المناطق الجبلية – عاملاً آخر يزيد من حدة المخاطر. إذ تعمل هذه التربة، المتجمدة منذ آلاف السنين، كـ"غراء طبيعي" يمسك الجبال معاً. ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة، تضعف التربة، وتنهار الصخور والكتل الجليدية بسهولة، محدثة انهيارات أرضية هائلة قد تسقط في البحيرات الجليدية مسببة فيضانات كارثية.

حادثة مأساوية توضح هذا الخطر وقعت عام 2017 في نيبال، عندما انهار ما يقارب ثلث الوجه الصخري لقمة "سالدم" التي يبلغ ارتفاعها أكثر من 6300 متر، وسقط الركام على نهر جليدي أسفل الجبل. أدت الحرارة الناتجة عن الاحتكاك إلى إذابة الجليد، مما شكل مزيجاً مدمرًا من الطين والصخور والثلوج اندفع نحو بحيرة جليدية، وتسبب في فيضان عارم.


انفجارات جليدية من الداخل: مصدر جديد للخطر

ليس كل الفيضان يأتي من الخارج. أظهرت دراسات حديثة أن المياه الذائبة قد تتجمع داخل أنفاق جليدية ضخمة تُعرف بـ"القنوات الجليدية الداخلية"، وخصوصاً في الأنهار الجليدية شديدة الانحدار. وإذا انهار أحد هذه الأنفاق، قد يتسبب في تدفق المياه فجأة إلى الخارج، في عملية يصعب التنبؤ بها أو احتواؤها.


مدينة "هُواراز" تحت التهديد مجدداً

من أخطر الأمثلة على هذا التهديد المتزايد، بحيرة "بالكاكوتشا" الجليدية في جبال الأنديز بالبيرو. عام 1941، تسبب انهيار جليدي ضخم في موجة عملاقة اجتازت الحاجز الصخري المحيط بالبحيرة، مما أدى إلى مقتل ما بين 1800 و5000 شخص وتدمير ثلث مدينة هُواراز.

اليوم، تضاعف حجم البحيرة أكثر من 14 مرة، وارتفع عدد سكان المدينة إلى أكثر من 120 ألف نسمة، بينهم حوالي 35 ألفاً يعيشون مباشرة في مسار أي فيضان محتمل.


استجابات حكومية خجولة ووعي شعبي في طور التكوين

بعض الحكومات بدأت بوضع أنظمة إنذار مبكر، وتحديد البحيرات الأكثر خطراً، وإنشاء حواجز اصطناعية مثل الجدران المكونة من أقفاص مملوءة بالصخور لتوجيه الفيضانات بعيداً عن القرى والمزارع. في مناطق أخرى، تم تعديل قوانين البناء لمنع التوسع في المناطق المعرضة للفيضانات. ومع ذلك، تبقى الجهود غير كافية، خاصة في مواجهة التغيرات المناخية المتسارعة.


دعوة إلى "عِقد من العمل" في علم المناطق الجليدية

بحسب دراسة نُشرت عام 2024، تم إحصاء أكثر من 110 آلاف بحيرة جليدية حول العالم، ما يعرّض حياة 10 ملايين شخص لخطر مباشر من الفيضانات. في ضوء ذلك، أعلنت الأمم المتحدة العقد القادم (2025-2034) "عقد العمل في علوم الكرايوسفير" – وهي العلوم المختصة بدراسة المناطق الجليدية من الأرض.

يأمل العلماء أن يُسهم هذا الاهتمام المتزايد في تعزيز فهم الظواهر الجليدية وتطوير أدوات فعّالة للتأقلم مع أخطارها والتخفيف من آثارها.


نداء عاجل لحماية مورد ثمين ومهدد

ذو صلة

الأنهار الجليدية ليست مجرد مشهد طبيعي ساحر أو مورد مائي موسمي، بل هي شريان حياة لملايين البشر حول العالم، وحاجز طبيعي أمام كوارث طبيعية متعددة. غير أن استمرار ذوبانها بوتيرة متسارعة، نتيجة التغير المناخي، يُنذر بأن القادم أخطر.

اليوم العالمي الأول للأنهار الجليدية لا ينبغي أن يكون مجرد مناسبة رمزية، بل فرصة لتحويل الأنظار نحو أزمة بيئية حقيقية، تتطلب تحركاً دولياً عاجلاً. فكل عام تأخير، يعني بحيرات أكبر، وسدود أضعف، ومجتمعات أكثر عرضة للخطر.

ذو صلة