“الرئيس” إيلون ماسك أدرك فجأة أنه قد لا يعرف كيف يحكم شؤون الدولة😂

4 د
لم نكن لنتصوّر أن يأتي يومٌ نرى فيه أغنى رجلٍ على وجه الأرض ينفي علناً اتّهامات بقطع التمويل عن أبحاث السرطان، لكن هذا ما حصل بالفعل خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي. حيث اندلعت على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) مواجهة كلامية بين الملياردير إيلون ماسك والصحفية مولي جونغ-فاست من مجلة «فانيتي فير» (Vanity Fair). بدأت المسألة عندما غرّدت جونغ-فاست قائلة:
«لا أظن أن أغنى رجل في العالم يملك حقّ حرمان أبحاث السرطان من التمويل».
فجاء رد ماسك بانفعال واضح:
«أنا لا أفعل ذلك، ما الذي تتحدثين عنه؟»
قد تبدو ردة فعل ماسك للوهلة الأولى مفهومة؛ فهو رجل أعمال حالم اعتاد على توجيه ثرواته نحو ابتكاراتٍ لافتة، لا خفض الإنفاق. إلا أن الوقائع تشير إلى ما هو أكثر تعقيداً. ففي يوم الجمعة السابق لتلك المناوشة الرقمية، أعلنت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب أنها، استناداً إلى توجيهات ما يُعرف بـ«وزارة كفاءة الحكومة» (Department of Government Efficiency)، ستبدأ بتطبيق تقليص ضخم في ميزانية الأبحاث الطبية الحيوية، يصل إلى مليارات الدولارات، على أن يدخل حيّز التنفيذ بعد أيام قليلة.
بحسب تقريرٍ لـواشنطن بوست (The Washington Post)، فإن عملية الخفض تشمل ما يقدَّر بنحو 4 مليارات دولار من «التمويل غير المباشر»، وهو ذلك النوع من الميزانيات الذي يغطي نفقات المكاتب الإدارية والتشغيل والمختبرات. قد يبدو للمتابع العابر أن هذه "نفقات يمكن الاستغناء عنها".
ولكن بالنسبة للعلماء والباحثين، فهي أشبه بشريان حياة يضمن استمرار تجاربهم العلمية ويتيح لهم توظيف المساعدين وشراء المواد الأساسية. وقد علّق أحد الباحثين بمرارة للصحيفة قائلاً إن هذه الخطوة تمثّل «طريقة شبه مضمونة لتقييد الأبحاث المنقذة للحياة». فيما حذّر آخرون من أن نقص التمويل سيؤدي إلى زيادة الأمراض والوفيات مستقبلاً، فضلاً عن تراجع قدرة الولايات المتحدة على مواصلة دورها الريادي في مجال الاكتشافات الطبية.
وكان مات أوينز، رئيس مجلس العلاقات الحكومية (Council on Government Relations)، أكثر صراحة في وصفه للوضع، إذ قال إن
«منافسي أمريكا سيشعرون بالغبطة وهم يشاهدوننا نُضعف محركنا البحثي بأيدينا»
سمعنا بهذا القلق مراراً من أكاديميين وأطباء أجروا تجاربهم في جامعاتٍ ومختبرات تعتمد بشكل شبه كامل على المنح الحكومية. فهؤلاء يدركون أن أي توقفٍ في التمويل يعرّض تقدّمهم، بل ومكانة بلادهم العلمية، للخطر.
في مقال رأي نُشر يوم الثلاثاء، أشارت مولي جونغ-فاست إلى أن إيلون ماسك ربما لا يستوعب تماماً أن تراجع الحكومة عن التزامات سابقة تجاه باحثين عالميين مرموقين قد يقطع السبل أمام ابتكاراتٍ طبية يحتاجها الملايين. وأضافت أن ذلك يهدد المكانة الاقتصادية للولايات المتحدة بوصفها «قائدة للابتكار الحيوي»، ويعصف بسمعتها كمركزٍ لجذب العقول العلمية الفذّة.
لكنّ تداعيات القرار لم تتوقف عند هذا الحد. فبحلول يوم الإثنين، تدخل قاضٍ فيدرالي وأصدر أمراً مؤقتاً بتعليق تنفيذ إجراءات خفض الميزانية. وقد أتى ذلك استجابةً لدعوى قضائية رفعتها مجموعة من 22 مدعياً عاماً من مختلف الولايات، استندوا فيها إلى قانونٍ عمره 79 عاماً يُلزم الوكالات الحكومية باتباع إجراءات معينة قبل تعديل أو إلغاء أي لوائح تنظيمية قائمة. ومن أبرز ما جاء في متن الدعوى أن هذه الخطة إن نُفِّذت «ستشلّ الجهود البحثية في المؤسسات المرموقة، وتحرمها من الموارد الضرورية لاكتشاف علاجاتٍ وحلولٍ لأمراضٍ قديمة وحديثة».
على صعيدٍ آخر، لا تُعد هذه القرارات سوى جزءٍ من مشهدٍ أوسع يطغى على السياسة الصحية الأميركية. ففي الشهر الماضي، أعلن الرئيس السابق ترامب انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية (WHO)، متجاهلاً ما يفرضه القانون من إخطارٍ مسبق لمدة عام كامل.
من جانب آخر، اشتكى موظفون في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) والمعاهد الوطنية للصحة (NIH) من تقليص التمويل لدرجةٍ منعهم من شراء لوازم أساسية للعمل اليومي. وفي خضم هذه الفوضى، رشّح ترامب روبرت ف. كينيدي الابن، المعروف بآرائه المتطرفة ضدّ اللقاحات، لتولي منصب وزير الصحة والخدمات الإنسانية (HHS)، ما أثار جدلاً أوسع في الأوساط العلمية؛ فكينيدي ينكر علاقة فيروس HIV بمرض الإيدز، ويربط بعض اللقاحات بالتوحّد، وهي ادعاءات تم دحضها علمياً عشرات المرات.
أمام هذا كله، يبرز التساؤل: أين يقف إيلون ماسك فعلياً من تلك السياسات؟ بعد أن واشنطن تستيقظ كل يوم على سلطة جديدة لإيلون ماسك، صحيحٌ أن ظهوره غالباً ما يكون مرتبطاً بالمشاريع الثورية مثل المركبات الكهربائية واستكشاف الفضاء، إلا أنه في موقعٍ حكومي مؤثر حالياً، تعصف حوله القرارات التي تمسّ حياة الناس مباشرةً. ربما لا يرغب ماسك في إلحاق الضرر بالأبحاث الحيوية.
لكنّ الواقع يشير إلى أنه، بقصدٍ أو من دونه، جزءٌ من إدارةٍ تسعى بشكلٍ ملحوظ إلى تقليص الإنفاق على الصحة العامة. وإذا كانت ردة فعله الغاضبة على «إكس» تعكس عدم رضاه، فعليه التصرّف بسرعة لتصحيح المسار، لا سيما أن آثار هذه القرارات ستكون وخيمةً على مستقبل مرضى السرطان وغيره من الأمراض الفتاكة.
حالياً، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام اختبارٍ لقدرتها على الحفاظ على ريادتها العلمية والإنسانية في آنٍ واحد. أما بالنسبة لإيلون ماسك، فربما عليه إعادة النظر في معنى القيادة، والتمييز بين قيادة مشروع تجاري متجدد وقيادة دولة تضطلع بمسؤولياتٍ تتجاوز الأرباح والخسائر. وفي خضمّ كل ذلك.
يبقى آلاف الباحثين والمرضى يترقبون ما إذا كان القضاء أو الاحتجاجات الشعبية سيسعفانهم، أم أن سيف الميزانية سيظل مسلطاً على واحدةٍ من أهم ركائز الصحة العامة في البلاد.