الكون الصامت: هل غياب الحياة خارج الأرض يكشف أسرارًا أعمق؟

3 د
يسعى العلماء لاكتشاف وجود حياة خارج الأرض عبر دراسة الكواكب الشبيهة بالأرض.
حتى الفشل في العثور على حياة يُعتبر اكتشافًا مهمًا، يوضح مدى انتشار الحياة في الكون.
تشير الدراسة إلى ضرورة تحليل 40-80 كوكبًا لتقدير نسبة الكواكب التي تحتضن الحياة.
تعتمد النتائج على دقة القياسات وقد تُسهم في صياغة استراتيجيات البحث المستقبلية.
عندما تتطلع أعين البشرية نحو السماء، يصبح السؤال الأكبر دومًا: هل هناك حياة أخرى خارج كوكب الأرض؟ ملايين النجوم والكواكب متناثرة في مجرتنا وحدها، وتطور التكنولوجيا يمنحنا فرصًا أفضل يومًا بعد يوم لاكتشاف عوالم قد تحتضن حياةً من نوع ما. لكن ماذا لو جاءت نتائج هذه الجهود بلا أي دليل؟ هل يمكننا الاستفادة فعلًا من "لا شيء"؟
هذا الموضوع تحديدًا طُرح مؤخرًا في دراسة جديدة بقيادة فريق بحثي مشترك من مؤسسات عالمية بارزة، على رأسها معهد التكنولوجيا الفيدرالي ETH في زيورخ، ومعهد "سيتي" للبحث عن حياة خارج الأرض SETI، وجامعة روما "تور فيرغاتا"، إضافة لجامعة بلغراد. وقد اهتم هؤلاء العلماء بشكل خاص بالسؤال التالي: كم عدد الكواكب التي ينبغي دراستها قبل أن نتمكن من القول إن الحياة شائعة أو نادرة في الكون؟
"غياب" الاكتشاف.. في حد ذاته اكتشاف!
عندما نتحدث عن البحث عن الحياة خارج الأرض، فالعلماء غالبًا يستهدفون كواكب تشبه الأرض؛ صخرية، معتدلة الحرارة، ولربما تمتلك مياهًا أو أكسجين أو ميثانًا في غلافها الجوي، لأن هذه العناصر يمكنها إعطاء مؤشرات أولية عن وجود حياة بيولوجية.
لكن إذا رصدنا العديد من هذه الكواكب بأساليب وتقنيات متقدمة، ولم نعثر على أي علامة تدل على الحياة، فهل يعني ذلك أن البحث ذهب هباءً؟ بحسب الباحث "دانيال أنجرةوزن"، الذي يقود الدراسة، فإن الوضع ليس بهذه البساطة:
"حتى لو لم نجد شيئًا، هذا بحد ذاته مؤشر علمي بالغ الأهمية، فيمكننا حينها، ولأول مرة، وضع حدود إحصائية واضحة حول مدى انتشار الحياة في الكون".
كم عدد الكواكب التي تكفي؟
تقول الدراسة إنه إذا تم رصد وتحليل حوالي 40 إلى 80 كوكبًا شبيهًا بالأرض دون العثور على أي علامات لحياة محتملة، فقد يصبح من الممكن القول بثقة نسبية إن نسبة الكواكب المُحتوية على حياة هي أقل من حوالي 10 إلى 20 بالمئة من هذه الكواكب.
وهذه النتائج لها بُعد كبير لو نظرنا إلى القصة بنطاق واسع. تخيل للحظة أنه حتى لو ثبت أن 10 بالمئة فقط من الكواكب الشبيهة بالأرض تضم حياة، فهذا يُترجم إلى وجود نحو 10 مليارات كوكب مأهول بالحياة فقط في مجرتنا وحدها، وهو رقم ضخم ومثير للخيال العلمي.
حذر مطلوب من الأخطاء والإخفاقات المحتملة
لكن العلماء يحذرون أيضًا من أن هذه النتائج تعتمد بشكل كامل على قُدرتنا على إجراء قياسات دقيقة للغاية وتجنب الأخطاء والفهم المغلوط. ويقول د.أنجرةوزن:
"يجب أن نكون شديدي الدقة والوضوح حول مقدار الثقة في ملاحظاتنا. إذا كنا أكثر ثقة مما ينبغي بطريقة خاطئة، قد نقع في فخ نتائج مضللة".
ومع التحضير للمهام الفضائية الضخمة القادمة، مثل "مرصد العوالم الصالحة للحياة" التابع لناسا (Habitable Worlds Observatory) أو مشروع التلسكوب الأوروبي الكبير المخصص للكواكب الخارجية (LIFE)، فإن الدراسة الحالية تسلط الضوء بشكل واضح على ما ينبغي فعله عندما لا نعثر على شيء: فهم النتائج السلبية بشكل معمّق، واستخدامها للحصول على صورة واضحة لما يمكن أن يخبرنا به الكون عن مدى انتشار الحياة.
في النهاية، ربما تُغيّر نتيجة إيجابية واحدة التاريخ بأكمله. لكن حتى تتحقق هذه النتيجة المنتظرة، من المهم أن نتعلم كيف نفهم، ونستوعب، ونُفسر ما لم نجده بعد، بقدر ما نفعل مع ما نكتشفه بالفعل.
الدراسة الجديدة نشرت بالفعل في المجلة الفلكية (Astronomical Journal)، ويأمل العلماء أن تمهد هذه الأفكار طريقًا لمزيد من الاكتشافات والتأملات العميقة حول مكاننا الحقيقي وسط النجوم.