ذكاء اصطناعي

بركان يلوستون يتحرّك بصمت… والعلماء يحذّرون من ثورة تهدد وجودنا خلال الأشهر المقبلة

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتساب إشارات غير عادية من بركان يلوستون يثير قلق العلماء حول نشاطه المستقبلي.

خريطة جديدة كشفت عن أربع خزانات من الماغما الريوليتية تحت سطح يلوستون.

التدفق بين الماغما السطحية والبازلتية العميقة يمد النظام البركاني بالحرارة.

لن يثور البركان قريبًا، لكن الاستعداد للسيناريو الأسوأ ضرورة.

فهم ديناميكية البركان يساعد في رصد العلامات المبكرة للثوران.

الأرض قد تخفي في أعماقها ما يقلب موازين الطبيعة، وهذا ما دفع علماء البراكين مؤخرًا لقرع جرس الإنذار بعد تسجيل إشارات غير عادية قادمة من باطن منتزه يلوستون الشهير في الولايات المتحدة. الاكتشافات الأخيرة لا تعني أن الانفجار وشيك، لكنها تسلط الضوء على نظام معقد يمكن أن يغير مصائر البشر إذا تحرك فجأة.

دراسة حديثة نشرتها مجلة علمية مرموقة، قادها خبراء من هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية وجامعات أمريكية رائدة، استخدمت تقنية تصوير متطورة تُعرف بالتصوير الكهرومغناطيسي لدراسة تكوين الصخور تحت القشرة الأرضية. الطريقة تعتمد على قياس استجابة الأرض للمجالات الكهرومغناطيسية الناتجة عن العواصف والشحنات الطبيعية، وبالتالي تحديد أماكن الصخور الموصلة للكهرباء، وهي غالبًا صخور منصهرة.

ما كشفه الفريق هو أربع خزانات مميزة من **الماغما الريوليتية** (الغنية بالسيليكا والمعروفة بقابليتها للانفجار) تقع بين 4 و11 كيلومتر تحت سطح الأرض. حجم أحد هذه الخزانات يقارب الكمية التي اندفعت خلال ثوران ضخم وقع قبل 1.3 مليون عام. وهذا يربط بين صورة تحت الأرض اليوم واحتمالات عودة يلوستون إلى نشاط شبيه بما سجّله التاريخ الجيولوجي.

المثير أن الجانب الشمالي الشرقي من البركان أظهر اتصالًا مباشرًا بين الماغما السطحية الريوليتية وبين مصدر أعمق من الماغما البازلتية الساخنة. هذا الاتصال يشبه محركًا ضخماً يغذي المستودعات العليا بالحرارة، ما قد يبقيها في حالة شبه منصهرة لآلاف السنين. في المقابل، تشير البيانات إلى أن الجزء الغربي من الكالديرا بدأ يبرد تدريجيًا، مما يجعله أقل نشاطًا على المدى البعيد.

هذه النتائج تجعل من فهم ديناميكية النظام البركاني ضرورة، خاصة أن تغيّر نسب الانصهار أو التوصيل الحراري قد يسرّع من احتمالية حدوث نشاط كبير في المستقبل. وهذا يربط بين المسح الحالي وأهمية مراقبة العلامات الصغيرة التي قد تتحول إلى إنذار مبكر.

العلماء يوضحون أن الانفجار الكبري ليس على الأبواب، لكن معرفة السيناريوهات أمر لا غنى عنه. النماذج تشير إلى أنّ ثورانًا بحجم مؤشر انفجار بركاني 8 يمكن أن يقذف أعمدة الرماد إلى الغلاف الجوي في دقائق معدودة، مسببة تدفقات بركانية مدمرة وتغطية قارات كاملة بطبقات رماد. مدن كشيكاغو وسان فرانسيسكو قد تتأثر بشكل مباشر، أما التأثير الأعظم فسيمس المناخ العالمي عبر ضخ كميات ضخمة من ثاني أكسيد الكبريت في طبقات الجو العليا، مكوّنة غيوماً كبريتية تعكس أشعة الشمس.

وللمقارنة، ثوران "تامبورا" عام 1815 تسبب في "عام بلا صيف"، وثوران "بيناتوبو" عام 1991 خفّض درجة حرارة الأرض نصف درجة تقريبًا. أما إذا ثار يلوستون على نطاق واسع، قد يشهد العالم انخفاضًا يقارب أربع درجات مئوية في المتوسط، ما يعني أزمة غذائية عالمية واضطرابات مناخية لعقدين أو أكثر. وهذا يربط بين الأدلة التاريخية والدروس التي يمكن استحضارها اليوم في سيناريوهات الطوارئ.

رغم هذه التوقعات المخيفة، العلماء يؤكدون أن يلوستون ليس "متأخرًا" عن موعد ثوران جديد، فالفكرة الشائعة عن دورات زمنية محددة للبراكين "خرافة". الحقيقة أن ما نعرفه قائم على ثلاث ثورات فقط خلال ملايين السنين، وهو رقم ضئيل لا يكفي لبناء نمط منتظم. معظم الماغما تحت يلوستون ما تزال أشبه بعجينة صلبة يصعب أن تنفجر سريعًا، لكن المحرك الأساسي في الأعماق ما زال يمد النظام بحرارة قد تغيّر المعادلة مستقبلاً.

ذو صلة

صورة يلوستون الجديدة تكشف نظامًا بركانيًا أكثر تعقيدًا مما اعتقدنا. وبينما الاحتمالات ضئيلة لحدوث ثوران في حياتنا، يبقى تجهيز المجتمعات والعلماء لمواجهة السيناريو الأسوأ مسألة وعي واستعداد طويل الأمد. فالأرض تذكّرنا دائمًا أن تحت هدوئها الظاهري تختبئ قوى لا يمكن تجاهلها.

ذو صلة