بلّورة نادرة بحجم الملليمتر قادرة على تخزين التيرابايتات من البيانات

4 د
طور باحثون في جامعة شيكاغو تقنية تخزين بيانات تستخدم العيوب الذرية في البلورات المشبعة بالعناصر الأرضية النادرة كوحدات ذاكرة.
يمكن لهذه التقنية تخزين تيرابايتات من البيانات داخل مكعب صغير بحجم الملليمتر، مع استهلاك طاقة منخفض للغاية.
تعتمد الطريقة على شحن وقراءة العيوب البلورية بصريًا، مما يتيح تخزين واسترجاع المعلومات دون الحاجة إلى إشارات كهربائية.
من خلال تحسين هذه التقنية، قد تصبح أساسًا لأنظمة تخزين بيانات عالية الكثافة ومستدامة للمستقبل.
في تطور علمي قد يُحدث ثورة في تقنيات تخزين البيانات، تمكن باحثون في جامعة شيكاغو من تطوير طريقة لتخزين المعلومات على نطاق ذري، وذلك باستخدام عيوب في بلورات مشبعة بالعناصر الأرضية النادرة كوحدات ذاكرة، مما يتيح إمكانية تخزين كميات هائلة من البيانات في حجم صغير للغاية.
ثورة في تقنية تخزين البيانات
منذ اختراع بطاقات التثقيب الميكانيكية إلى الهواتف الذكية الحديثة، اعتمدت تقنيات تخزين البيانات على ترميز المعلومات عبر حالتين مختلفتين - تشغيل أو إيقاف، مرتفع أو منخفض، أو وجود أو غياب نقطة معينة. غير أن الحجم الفيزيائي لوحدات التخزين ظل عاملاً مقيدًا لقدرة هذه الأجهزة.
البحث الجديد الذي قاده فريق من مدرسة بريتزكر للهندسة الجزيئية في جامعة شيكاغو، يفتح آفاقًا جديدة في هذا المجال، حيث يمكن استخدام البلورات المشبعة بالعناصر الأرضية النادرة لإنشاء ذاكرة بصرية عالية الكثافة، تجمع بين أساليب الحوسبة الكلاسيكية والتقنيات المستوحاة من فيزياء الكم.
يقول البروفيسور تيان جونغ، الأستاذ المساعد في الجامعة والمشرف على الدراسة، إن "كل خلية ذاكرة تمثل ذرة واحدة مفقودة - عيبًا فرديًا في المادة"، مشيرًا إلى أن هذا التقدم يسمح بتخزين التيرابايتات من البيانات داخل مكعب صغير لا يتجاوز حجمه ملليمترًا واحدًا.
دور العناصر الأرضية النادرة والعيوب البلورية
تُعرف العناصر الأرضية النادرة، أو اللانثانيدات، بخصائصها البصرية الفريدة، مما يجعلها مثالية للاستخدام في تقنيات الليزر، والشاشات، والحوسبة الكمومية. ويعتبر أكسيد الإيتريوم (Y₂O₃) من المواد المضيفة الشائعة لهذه العناصر، حيث توفر بنيته الشبكية المستقرة بيئة مناسبة لاستبدال الذرات بأيونات العناصر الأرضية النادرة، مما يؤدي إلى تكوين "مراكز لونية".
لكن هذه المواد تحتوي بطبيعتها على عيوب في الشبكة البلورية، مثل الذرات المفقودة أو الذرات الزائدة، والتي يمكنها احتجاز الإلكترونات والثقوب، مكونة حالات شحن مستقرة تؤثر على الخصائص الإلكترونية والبصرية للمادة. استغل الباحثون هذه العيوب في تطوير تقنية جديدة للتحكم في تخزين الشحنات داخل المادة، مما أدى إلى تحسين ثبات البيانات وإمكانية تخزينها بكثافة عالية.
تقنية احتجاز الشحنات البصرية والترميز الذري
تعتمد هذه التقنية على شحن العينة باستخدام إضاءة ضوئية ذات طاقة محددة، مما يؤدي إلى حبس الشحنات داخل العيوب البلورية. يتم بعد ذلك قياس كثافة احتجاز الشحنات عبر ظاهرة الوميض الضوئي المحفز، حيث يعاد إطلاق الإلكترونات المحبوسة عند تعرضها للضوء، مما يسمح "بقراءة" البيانات المخزنة.
استخدم الباحثون أيونات البراسيوديميوم (Pr³⁺) ضمن أكسيد الإيتريوم لإثبات فعالية التقنية، ووجدوا أن الشحن البصري يحدث عبر مسارين رئيسيين:
- الانتقالات بين الحزم الإلكترونية عند إثارة المادة بالأشعة فوق البنفسجية بطول موجي 215 نانومتر.
- انتقالات بصرية داخل أيونات البراسيوديميوم نفسها عند 275 نانومتر.
أحد الجوانب المذهلة لهذه التقنية هو كفاءتها العالية، حيث يمكن إجراء عمليات الشحن والقراءة باستخدام شدة ضوئية منخفضة تصل إلى 5 ميكروواط/سم²، ما يتيح إمكانية تخزين البيانات والتحكم بها بشكل موثوق وبأقل استهلاك للطاقة.
من قياس الإشعاع إلى تخزين البيانات الكمومي
تعود أصول هذا الاكتشاف إلى مجال قياس جرعات الإشعاع، حيث كان الباحث الرئيسي ليوناردو فرانسا، زميل ما بعد الدكتوراه في مختبر جونغ، يدرس في البداية مواد تُستخدم لتسجيل التعرض للإشعاع في التطبيقات الطبية والصناعية. وأوضح فرانسا: "في المستشفيات ومسرّعات الجسيمات، من الضروري مراقبة كمية الإشعاع التي يتعرض لها الأفراد. بعض المواد تمتص الإشعاع وتخزن تلك المعلومات لفترة زمنية معينة."
لاحظ الباحثون أن تعريض هذه المواد للضوء يمكن أن يُحرر الإلكترونات المحتجزة، مما يمكّن من "قراءة" المعلومات المخزنة. هذا الاكتشاف ألهم الفريق لاستكشاف إمكانياته في تخزين البيانات على المستوى الذري، مما أدى إلى تطوير ذاكرة بصرية غير متطايرة تعتمد على مبادئ الكم دون الحاجة إلى تشابك كمي.
مستقبل تخزين البيانات البصرية عالية الكثافة
مع اقتراب تقنيات التخزين التقليدية مثل الأقراص الصلبة وذاكرة الفلاش من حدودها الفيزيائية والحرارية، يزداد الطلب على حلول جديدة. تؤدي المصاعب التقنية مثل تأثيرات النفق الكمومي إلى صعوبة تقليص حجم الترانزستورات أكثر من ذلك.
من خلال استغلال العيوب الطبيعية في المواد البلورية، توفر البلورات المشبعة بالعناصر الأرضية النادرة بديلًا واعدًا لتخزين البيانات. وعلى عكس الطرق التقليدية التي تعتمد على الإشارات الكهربائية، تعتمد هذه التقنية على الشحنات الضوئية، مما يؤدي إلى تقليل استهلاك الطاقة وإطالة عمر الأجهزة.
يؤكد فرانسا أن "العناصر الأرضية النادرة توفر انتقالات إلكترونية محددة، مما يتيح اختيار أطوال موجية محددة للتحكم الضوئي"، مما يجعل هذه التقنية قابلة للتخصيص وفقًا للاحتياجات المختلفة.
نحو ثورة جديدة في تخزين البيانات
إذا تم تحسين هذه التقنية بشكل أكبر، فقد تُحدث تحولًا جذريًا في صناعة تخزين البيانات، سواء على مستوى الأجهزة الشخصية أو البنية التحتية السحابية الضخمة. يقول جونغ: "داخل هذا المكعب الذي لا يتجاوز حجمه ملليمترًا واحدًا، أثبتنا أنه يمكن تخزين ما لا يقل عن مليار وحدة ذاكرة تقليدية باستخدام الذرات."
يُبرز هذا البحث كيف يمكن تحويل العيوب الطبيعية في المواد إلى أصول قوية، ما يفتح الباب أمام جيل جديد من أجهزة التخزين عالية الكثافة، منخفضة الاستهلاك للطاقة، وطويلة العمر.