تلسكوب ويب يكشف أسرار عالم غامض: كوكب عملاق يطفو في الفضاء بلا نجم

4 د
رصد تلسكوب جيمس ويب غلافًا جويًا معقدًا حول الجسم الكوكبي العملاق SIMP 0136، الذي لا يدور حول نجم.
كشفت الملاحظات عن سحب غير متجانسة، وتقلبات حرارية غير متوقعة، وتفاعلات كيميائية لم تكن متوقعة من قبل.
يؤثر هذا الاكتشاف بشكل كبير على طرق دراسة الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية ويبرز أهمية المراقبة المستمرة.
قد تعيد النتائج تشكيل أساليب البحث عن كواكب قابلة للحياة، مع تركيز أكبر على رصد التغيرات الجوية عبر الزمن.
في اكتشاف غير مسبوق، كشف تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لوكالة ناسا عن غلاف جوي بالغ التعقيد يحيط بجسم كوكبي عملاق يُعرف باسم SIMP 0136، وهو جسم فضائي هائل الكتلة يطفو وحيدًا في الفضاء دون أن يدور حول نجم. تسلط هذه الملاحظات الجديدة الضوء على عالم ديناميكي يحتوي على سحب متغيرة، وتفاوتات حرارية، وتفاعلات كيميائية غير مفسرة، ما يفتح آفاقًا جديدة لدراسة أجواء الكواكب الغازية العملاقة خارج نظامنا الشمسي.
طفرة في دراسة الطقس على الكواكب الخارجية
يمثل هذا الاكتشاف تقدمًا كبيرًا في مجال الأرصاد الجوية الفلكية، وهو العلم الذي يدرس أحوال الطقس على العوالم الغريبة. من خلال تتبع التغيرات الجوية في SIMP 0136 بشكل لحظي، يعمل العلماء على تحسين الأدوات والتقنيات التي تساعد في تحليل الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية، وهي خطوة حاسمة نحو تحديد البيئات التي قد تكون صالحة للحياة.
دراسة معمقة لجسم فضائي عملاق عائم
نشرت نتائج البحث في مجلة The Astrophysical Journal Letters، واعتمدت على رصد دقيق بالأشعة تحت الحمراء لـ SIMP 0136 خلال دورتيه الكاملتين. يبلغ حجم هذا الجسم حوالي 13 ضعف كتلة كوكب المشتري، ويبعد عن الأرض 20 سنة ضوئية فقط داخل مجرتنا درب التبانة. ورغم ضخامته، إلا أنه لا يدور حول نجم، ما يجعله أقرب إلى تصنيف "القزم البني"، وهو جسم كوني يقع بين الكواكب والنجوم، إذ إنه كبير جدًا ليكون كوكبًا، ولكنه غير ضخم بما يكفي لإشعال التفاعلات النووية اللازمة ليصبح نجمًا.
يمنح عدم ارتباط SIMP 0136 بنجم فرصة استثنائية لدراسة ديناميكيات الغلاف الجوي دون تأثير الضوء والحرارة النجمية. وقد سبق أن أشارت ملاحظات تلسكوبات هابل وسبايتزر إلى وجود سحب غير متجانسة على سطح هذا الجسم، لكن قدرات تلسكوب ويب بالأشعة تحت الحمراء كشفت عن أن التغيرات في السطوع ناجمة عن ظواهر أكثر تعقيدًا من مجرد وجود سحب.
تقول أليسون مكارثي، الباحثة الرئيسية في الدراسة وطالبة الدكتوراه في جامعة بوسطن:
"كنا نعلم بالفعل أن هذا الجسم يتغير في سطوعه، وكنا واثقين من وجود طبقات سحابية غير منتظمة تتحرك وتتشكل مع مرور الوقت، لكننا كنا نشك أيضًا في احتمال وجود تغيرات حرارية وتفاعلات كيميائية وربما تأثيرات ناتجة عن الشفق القطبي، ولم نكن متأكدين من ذلك."
غلاف جوي ديناميكي بتفاعلات غامضة
باستخدام أدوات NIRSpec وMIRI المتطورة في تلسكوب ويب، قام الباحثون بجمع آلاف القياسات بالأشعة تحت الحمراء بينما أكمل SIMP 0136 دورتين كاملتين. أظهرت البيانات وجود طبقات جوية متعددة، لكل منها خصائصها الخاصة:
- طبقة سفلية غنية بالحديد: تحتوي على سحب من جزيئات الحديد التي تتغير باستمرار، ما يسبب تغيرات ملحوظة في لمعان الجسم.
- طبقة سحابية من السيليكات: تقع فوق الطبقة الحديدية، وهي مكونة من حبيبات صخرية دقيقة، وتساهم أيضًا في تقلبات السطوع.
- بقع ساخنة وتفاعلات كيميائية غير متوقعة: في طبقات الجو العليا، رُصدت تقلبات حرارية مفاجئة قد تكون ناتجة عن الشفق القطبي أو صعود أعمدة من الغاز الساخن، مما يؤثر على تركيز الجزيئات الكربونية مثل أول أكسيد الكربون والميثان، وهو اكتشاف يتحدى التوقعات السابقة.
تقول جوهانا فوس، الباحثة الرئيسية من كلية ترينيتي في دبلن:
"لم نفهم بعد الجانب الكيميائي من هذا اللغز، لكن النتائج مشوقة للغاية لأنها تظهر أن تركيز الجزيئات مثل الميثان وثاني أكسيد الكربون يمكن أن يتغير من مكان إلى آخر ومن وقت لآخر."
الأهمية العلمية في البحث عن كواكب صالحة للحياة
يعد SIMP 0136 نموذجًا مثاليًا لفهم أنظمة الطقس والمناخ في الكواكب الخارجية. ونظرًا لصعوبة دراسة الأغلفة الجوية للكواكب الغازية العملاقة القريبة من نجومها، يعتمد العلماء على أجسام مثل SIMP 0136 لاختبار أساليبهم وتحسينها.
تشير نتائج الدراسة إلى أن الغلاف الجوي للكواكب الخارجية قد يكون متغيرًا باستمرار، ما يعني أن مراقبة واحدة قد لا تعطي صورة كاملة عن تركيبته الكيميائية. هذه النقطة بالغة الأهمية في البحث عن كواكب صالحة للحياة.
توضح فوس:
"إذا كنا نرصد كوكبًا خارج المجموعة الشمسية ولم نحصل إلا على قياس واحد، فيجب أن نضع في اعتبارنا أن هذه القياسات قد لا تعكس الوضع الحقيقي للكوكب بأكمله."
مع اقتراب موعد إطلاق تلسكوب نانسي غريس رومان عام 2027 وبدء تشغيل التلسكوب العملاق (ELT) على الأرض، يطمح العلماء إلى تطبيق هذه الدروس الجديدة على دراسة الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية، على أمل اكتشاف علامات تدل على إمكانية الحياة، أو حتى وجودها.