تيليوس: فقاعة كونية غامضة تحيّر العلماء وتكشف أسرار الفضاء

3 د
اكتشف العلماء فقاعة كونية مستديرة بشكل كامل تُعرف بـ "تيليوس".
تشكلت نتيجة انفجار سوبرنوفا، إلا أن المسافة الدقيقة لازالت غير معروفة.
يمثل افتقارها لانبعاثات الأشعة السينية لغزًا محيرًا للباحثين.
جمال استدارة تيليوس وتماثلها الهندسي يدهش العلماء.
ما زالت هناك حاجة ماسة لأبحاث جديدة لفهم طبيعتها الحقيقية.
عندما ننظر إلى سماء الليل الصافية، نرى العديد من النجوم البراقة التي تزين مجرتنا درب التبانة، وقد نعتقد أحياناً أننا بدأنا نفهم الكون من حولنا. لكن يبدو بأن الكون لم ينتهِ بعد من إبهارنا؛ فقد أعلن العلماء مؤخراً عن اكتشاف شيء مذهل وغريب حقاً، يتمثل في فقاعة من الغاز والغبار تبدو كروية بشكل تام تقريباً، بسبب ظاهرة غامضة تجري هناك في أعماق الفضاء!
اكتشف علماء الفلك هذا الجسم الفضائي المدهش عن طريق تلسكوب راديوي متطور، يسمى "مرصد مصفوفة الكيلومتر المربع الأسترالي". ويطلق العلماء عليه اسم "تيليوس"، وهي كلمة مأخوذة من اللغة اليونانية القديمة وتعني "الكمال"، وهذا بسبب شكله المستدير بشكل استثنائي لم يكونوا معتادين على رؤيته في مثل هذه الظواهر الكونية. لم يكن العثور على هذا الجسم الغريب مهمة سهلة بالطبع، وإنما نتج عن دراسة طويلة ومعقدة ضمن مشروع "خريطة تطور الكون" (EMU)، الذي يرصد أجساماً دائرية الشكل ذات طبيعة محيرة ومجهولة المصدر.
ورغم أن الباحثين بقيادة عالم الفيزياء الفلكية "ميروسلاف فيليبوفيتش"، من جامعة ويسترن سيدني في أستراليا، واثقون من أن هذا الجسم هو النتيجة النهائية لانفجار سوبرنوفا، إلا أنهم يواجهون صعوبة بالغة في تحديد المسافة الحقيقية لهذا الجسم الكروي. وهنا تكمن المفارقة، لأنه من أجل تقدير الحجم الحقيقي لتيليوس وتاريخه ومراحل تطوره، يظل من الضروري تحديد المسافة بدقة.
وقد توصل العلماء حتى الآن إلى خيارين محتملين لبعد هذا الجسم الغامض: فإما أن يكون على مسافة حوالي 7175 سنة ضوئية، وإما على مسافة أبعد تقدر بنحو 25114 سنة ضوئية! ويتبين من ذلك أن الفرق بين المسافتين شاسع، مما يعني اختلافاً هائلاً في الحجم والتاريخ العمري لهذا الجسم؛ فإذا كان أقرب، فسيكون حجمه حوالي 46 سنة ضوئية وعمره أقل من ألف عام فقط، أما إذا كان أبعد، فيعني ذلك أنه أكبر بكثير - حوالي 157 سنة ضوئية - وعمره يتعدى العشرة آلاف عام.
واللافت أيضاً في حالة تيليوس هو افتقاد العلماء لأي انبعاثات من الأشعة السينية التي عادةً تُصاحب الحطام النجمي الناجم عن السوبرنوفا من النوع Ia، وهو ما يُمثل هناك لغزاً آخر محيراً. هذا ما دفع الباحثين إلى التفكير في احتمال آخر، وهو نوع نادر من الانفجارات يسمى "سوبرنوفا النوع Iax"، هذا النوع لا يدمر النجم كاملاً بل يترك وراءه "نجماً زومبياً" يبقى مشتعلاً. ولكنّ المشكلة هنا أن هذه الفرضية تتطلب أن يكون الجسم أقرب بكثير من كل التوقعات المسجلة سابقاً، وهو ما لم تؤكده أية بيانات أخرى متاحة حتى الآن.
وبعيداً عن كل هذه الألغاز، من أبرز ما يميز تيليوس ويُدهش علماء الفضاء هو استدارته الجميلة والمذهلة: فمعظم بقايا السوبرنوفا التي يعرفها العلماء ليست متناظرة هكذا. انفجارات النجوم عادةً لا تكون متجانسة، حيث يتدفق فيها الغاز بحرية أكبر في بعض الاتجاهات أكثر من الأخرى، وتؤثر الغازات والغبار في محيط النجم المنفجر على إعلان أشكال غير منتظمة للسحابة الغازية الناتجة. لكن تيليوس، بوجوده بمكان خالٍ نسبياً من الغازات أو الغبار اللازم لتشويه شكله، حافظ على تناظره الهندسي المميز ونادر الحدوث.
لذا يرى العلماء أننا بحاجة مُلحة لإجراء مزيد من البحوث والرصد عبر أدوات أكثر دقة وتطوراً، من أجل الإجابة عن تلك التساؤلات والتعرف على الطبيعة الحقيقية لتيليوس. وما علينا الآن سوى الانتظار ومتابعة الأبحاث والاستكشافات القادمة، لعلها تفك لغز هذه الفقاعة الكونية المثالية.
وبينما تبدو الكثير من الأجوبة غير واضحة في هذه المرحلة، قد يكون من المفيد اختيار مصطلحات أدق وأكثر غنى كوصف بدلاً من "غريبة"، مثل "غامضة" أو "محيرة"، لدلالة أكثر تميزاً. كذلك، يمكن في التغطيات المقبلة تضييق تركيز الموضوع أكثر حول نظريات تكوين تيليوس المحتملة، مما سيعطي القارئ شعوراً أكثر ترابطاً بين عناصر الموضوع، وتوضيح أسباب اختيار العلماء هذه التفسيرات دون غيرها. وكل ذلك سيخلق تجربة قراءة ممتعة ومثيرة لمتابعة هذا الاكتشاف الكوني المريب والرائع في آنٍ واحد!