جيمس ويب يكتشف أقدم مجرة تضيء الكون بعد بداية نشأته

4 د
اكتشف تلسكوب جيمس ويب مجرة تُدعى JADES-GS-z13-1-LA أثناء حقبة إعادة التأين.
تم إصدار الضوء من هذه المجرة بترددات "لايمان–ألفا"، ما يؤكد وجود الغاز المتأين.
قد تكون النجوم الشابة الضخمة أو ثقب أسود سبب هذه الأشعة القوية.
يبرز هذا الاكتشاف قدرة JWST على دراسة أعماق الكون وفهم نشوء المجرات والثقوب السوداء.
لطالما سحر الفلك وخفايا الكون البشرية في مختلف العصور، واليوم يأتينا تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) باكتشاف جديد مذهل إثر رصده مجرة تُعد من أقدم المجرات على الإطلاق، والتي ظهرت في فترة زمنية حساسة للغاية من عمر الكون، تُعرف باسم حقبة إعادة التأين (Epoch of Reionization). دعونا نلقي نظرة مقربة على هذا الاكتشاف الجديد وما يعنيه لعالم الفلك وعلوم الكون.
ما هي حقبة إعادة التأين؟
بدايةً، قبل الخوض في التفاصيل المثيرة للاكتشاف، دعونا نفهم ما هي حقبة إعادة التأين. في مراحل الكون الأولى، كانت الفضاءات الممتدة بين المجرات مليئة بغاز الهيدروجين المحايد، وهو على هيئة ضباب غازي كثيف، يمنع الضوء من السفر لمسافات طويلة.
مع مرور ملايين السنين، بدأت أشعة الضوء فوق البنفسجي العالية الطاقة تنتشر في الكون، مما أدى إلى تأيين الهيدروجين (أي تحويله من الحالة المحايدة إلى حالة نشطة بعد فقدان الإلكترونات). هذا التحول التدريجي جعل الكون شفافًا بدرجة كافية ليسمح للضوء بالعبور مسافات بعيدة، مانحًا إيانا القدرة على رصد أعماق الكون كما نفعل اليوم.
تفاصيل الاكتشاف الجديد
في ورقة بحثية نُشرت مؤخرًا في مجلة Nature، أعلن فريق من الباحثين بقيادة جامعة كوبنهاجن عن اكتشاف مجرة صغيرة السن تُسمى JADES-GS-z13-1-LA، والتي وُجدت في وقت كان فيه عمر الكون لا يتخطى 330 مليون سنة فقط بعد الانفجار العظيم (The Big Bang). قد لا تكون هذه المجرة الأبعد مقارنة بمجرات أخرى اكتشفناها من قبل، لكنها بوضوح أقدم مجرة تم رصدها خلال هذه المرحلة الحرجة والهامة في تاريخ الكون، كونها أول "نافذة" مراقبة على عملية إعادة التأين ذاتها.
ويقول د. جوريس ويتستوك، المؤلف الرئيسي للدراسة وباحث ما بعد الدكتوراه في مركز الفجر الكوني بجامعة كوبنهاجن:
"على الرغم من أنها ليست الأبعد، فإن أهمية هذه المجرة تحديدًا تتمثل في أنها أول مجرة نشاهدها مباشرة أثناء قيامها بإعادة تأيين محيطها".
سر ضوء "لايمان–ألفا"
من الأمور المثيرة لهذه المجرة أنها تصدر أشعة فوق بنفسجية بترددات معينة تُعرف بضوء "لايمان–ألفا". هذه الأشعة تُمتص عادةً بشكل كبير بواسطة الهيدروجين المحايد، مما جعل العلماء يتأكدون من وجود كميات صغيرة جدًا من هذا الغاز المحايد حول المجرة، ما يفسر تمكن ضوء هذه المجرة من الوصول إلينا بوضوح.
المجرة تضم عددًا كبيرًا من النجوم الشابة الضخمة، والباحثون يتساءلون عن مصدر الأشعة فوق البنفسجية هذه؛ فإما أنها تعود إلى تلك النجوم التي قد تكون من جيل خاص من النجوم القديمة الضخمة تُعرف بالجيل الثالث (Population III stars)، أو ربما تكون ناتجة عن نجوم ضخمة جدًا لكنها ظهرت بعد فترة قليلة من جيل Population III. ويوضح ويتستوك أن الجيل الثالث من النجوم كان ضخمًا للغاية، وذلك لأنه يتكون فقط من الهيدروجين والهيليوم، مما يجعله أكثر حرارة وضخامة من النجوم الأخرى التي نعرفها اليوم.
ثقب أسود.. فرضية أخرى ممكنة!
لكن المفاجأة أن هناك احتمالًا آخر لتفسير إشعاعات "لايمان–ألفا"، إذ يمكن أن يكون مصدر هذه الأشعة ثقبًا أسود هائلًا يتواجد في منتصف المجرة، يلتهم المادة المحيطة به مما يؤدي لانبعاث حرارة وإشعاعات قوية وقادرة على تأيين الغازات المحيطة.
ولو ثبت صحّة هذه الفرضية، فإن هذا الثقب الأسود سيكون من أبكر الثقوب السوداء التي نرصدها على الإطلاق، وسيساعدنا لفهم أفضل لكيفية تشكل المجرات ونشوء الثقوب السوداء الضخمة في الكون المبكر، وقد تعطي دليلًا قويًا على أن الثقوب السوداء قد تكون ساهمت بشكل واضح في عملية إعادة تأين الكون في بداياته.
فقاعة كونية مضيئة بعيدة
وتشير البيانات أيضًا إلى أن هذه المجرة استطاعت تأيين الغاز المحيط بها مكونةً ما يشبه "الفقاعة الكونية" التي يبلغ قطرها نحو 650 ألف سنة ضوئية، ما يجعلها تظهر كشمعة مضيئة في كون معتم وضخم حولها.
أهمية التلسكوب جيمس ويب وماذا بعد؟
هذا الاكتشاف يعزز من تفوق تلسكوب جيمس ويب JWST في قدرتنا على استكشاف أعماق الكون، ويشير الباحثون إلى أنه لا يوجد حتى الآن مجرات أخرى فيما تم اكتشافه من مجرات بعيدة تحمل إشارات مشابهة (لايمان–ألفا). لذا، سيستمر البحث من خلالها وباستخدام JWST على أمل رصد أمثلة أخرى قد تماثل هذه المجرة، ولفهم أشمل وأعمق لهذه الفترة المهمة من حياة الكون.
ويختتم ويتستوك حديثه بالقول:
"عمليات البحث مستمرة، ونتوقع قريبًا اكتشاف المزيد من هذه المجرات المبكرة، التي قد تسمح لنا بفهم أوضح لما وقع بعد الانفجار العظيم، وكيف تحول الكون إلى ما نراه اليوم من نجوم ومجرات لا حصر لها".
ولاشك أن كل اكتشاف من هذا النوع يقربنا خطوات إضافية نحو حلّ ألغاز الكون الأولى، ومن يدري ما الذي ستكشفه لنا أعين JWST في الأيام أو الأشهر القادمة!