حدث كوني غير مسبوق: كوكبان خارج المجموعة الشمسية يتفككان أمام أعين العلماء

4 د
رصد تلسكوب جيمس ويب للمرة الأولى في التاريخ كوكبين خارج المجموعة الشمسية يتفككان تدريجيًا في الفضاء، مما يكشف عن تركيبهما الداخلي.
الكوكب K2-22b، الذي يدور حول نجمه في تسع ساعات فقط، يتبخر بفعل الحرارة الشديدة، مكونًا ذيلًا غباريًا يشبه المذنب.
يتميز الكوكب BD+054868Ab ذيلان ضخمان، ويفقد كتلته بمعدل سريع، ما يجعله مهددًا بالاختفاء خلال مليونَيْ سنة.
يفتح هذا الاكتشاف آفاقًا جديدة في دراسة الكواكب الخارجية، حيث يتيح للعلماء لأول مرة تحليل المكونات الداخلية لعوالم خارجية بشكل مباشر.
في إنجاز علمي غير مسبوق، تمكن علماء الفلك من رصد حدث كوني استثنائي لأول مرة في التاريخ، حيث وثّقوا عملية تفكك كوكبين خارج المجموعة الشمسية، ينهاران تدريجيًا أثناء فقدانهما لطبقاتهما الخارجية في الفضاء. هذا الاكتشاف، الذي تحقق بفضل تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) والقمر الصناعي الاستقصائي لمسح الكواكب العابرة (TESS) التابع لوكالة ناسا، يمنح العلماء فرصة نادرة لدراسة المراحل الأخيرة من حياة الكواكب، ويسلط الضوء على الظروف القاسية التي تؤدي إلى تآكل هذه العوالم الغريبة.
دراسة رائدة في تفكك الكواكب
تم توثيق نتائج هذه الأرصاد الفريدة في بحثين علميين يخضعان حاليًا للمراجعة العلمية، وقد نُشرا كمسودتين بحثيتين على موقع arXiv. قاد هذه الدراسات فريق من الباحثين من جامعتي ولاية بنسلفانيا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، حيث قاموا بتحليل "البصمات الطيفية" للغلاف الجوي لهذه الكواكب، مما وفَّر نافذة نادرة لاستكشاف مكوناتها الداخلية. وتشير نتائج البحث إلى أن هذه الكواكب تتعرض لعملية تفكك تدريجي تحت تأثير بيئاتها القاسية، وهي ظاهرة لم يسبق أن تم رصدها بهذا المستوى من الدقة من قبل.
يقول البروفسور جيسون رايت، أستاذ علم الفلك والفيزياء الفلكية بجامعة ولاية بنسلفانيا وأحد المشاركين في الدراسة: "هذه فرصة فريدة لفهم التكوين الداخلي للكواكب الصخرية، حيث تتيح لنا هذه البيانات دراسة ما يوجد تحت سطح الكواكب، وهو أمر لا يزال مستحيلاً حتى بالنسبة لكواكب نظامنا الشمسي".
الكوكب الأول: K2-22b—عالم يغلي في الفضاء
يُعرف الكوكب الأول الذي تم رصده باسم K2-22b، وهو عالم صخري بحجم كوكب نبتون، يقع على بُعد مئات السنين الضوئية من الأرض. ويدور حول نجمه المضيف في غضون تسع ساعات فقط، مما يجعله محبوسًا في بيئة نارية قاسية. تصل درجات حرارة سطحه إلى أكثر من 1826 درجة مئوية (3320 درجة فهرنهايت)، وهي حرارة كافية لتبخير الصخور والمعادن.
أظهرت عمليات الرصد التي أجراها تلسكوب جيمس ويب أن المواد المتبخرة من الكوكب تشكل ذيلًا ممتدًا يشبه ذيل المذنبات، يمتد خلف الكوكب أثناء دورانه حول نجمه. هذا الذيل يتكون من غبار وصخور متبخرة تدفعها الرياح النجمية والإشعاعات القوية. ومع استمرار هذه العملية، يُتوقع أن يفقد الكوكب معظم كتلته تدريجيًا حتى يتحول إلى نواة صغيرة غير صالحة للحياة، قبل أن يختفي تمامًا في النهاية.
الكوكب الثاني: BD+054868Ab—كوكب ذو ذيلين ضخمين
أما الكوكب الثاني، BD+054868Ab، فيُعد حالة أكثر تطرفًا. فهو أقرب كوكب متبخر للأرض تم اكتشافه حتى الآن، مما يجعله بيئة مثالية لدراسة الظروف القاسية للكواكب المتحللة. يتميز هذا الكوكب بذيلين ضخمين يمتدان خلفه، أحدهما مكوَّن من جسيمات بحجم حبيبات الرمل، والآخر يتكون من جسيمات دقيقة تشبه السخام.
تمتد ذيول هذا الكوكب لمسافة تصل إلى 9 ملايين كيلومتر (5.6 مليون ميل)، أي ما يعادل نصف مداره حول نجمه. وبحسب العلماء، يفقد BD+054868Ab كمية من المواد تعادل حجم قمر كامل كل مليون عام، ما يجعله مهددًا بالاختفاء تمامًا في غضون مليون إلى مليونَيْ سنة فقط، وهي فترة قصيرة جدًا بمقياس الزمن الكوني.
يقول نيك توساي، الباحث الرئيسي في الدراسة وطالب الدراسات العليا بجامعة ولاية بنسلفانيا:
"هذه الكواكب تقدم لنا فرصة فريدة لدراسة مكوناتها الداخلية، فهي تطرح محتوياتها في الفضاء أمام أعيننا. وبفضل قدرات جيمس ويب، أصبح بإمكاننا تحليل تركيبتها الكيميائية ومعرفة مما تتكون الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى"
أهمية هذا الاكتشاف في علم الكواكب الخارجية
لا تقتصر أهمية هذه الكواكب على كونها مشاهد كونية نادرة، بل إنها تقدم أدلة مهمة حول تشكل وتطور الكواكب. فمعظم الكواكب الخارجية التي اكتشفها العلماء حتى الآن ما زالت سليمة، مما يجعل دراستها تقتصر غالبًا على تحليل أغلفتها الجوية. لكن هذه الكواكب المتحللة تتيح فرصة استثنائية لدراسة تركيبها الداخلي، مما يعزز فهمنا لبنية الكواكب الخارجية وما يختبئ تحت أسطحها.
أحد الاكتشافات المثيرة خلال تحليل K2-22b هو وجود غازات مثل ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد النيتروجين، وهي غازات ترتبط عادةً بالأجرام الجليدية أكثر من الكواكب الصخرية. وهذا يشير إلى أن الكوكب ربما تشكَّل في منطقة بعيدة عن نجمه قبل أن ينجرف نحو مداره الحالي بسبب الاضطرابات الجاذبية. أما BD+054868Ab، فإن ذيوله الغبارية توفّر بيانات قيمة حول كيفية تفاعل المواد الكوكبية مع الإشعاعات النجمية، وتأثير ذلك على مناخ الكواكب وإمكانية وجود حياة عليها.