ذكاء اصطناعي

رؤية غير مسبوقة: تلسكوب جيمس ويب يرصد سديمًا مزدوج الحلقات بتفاصيل مذهلة

رؤية غير مسبوقة: تلسكوب جيمس ويب يرصد سديمًا مزدوج الحلقات بتفاصيل مذهلة
فريق العمل
فريق العمل

3 د

لم يكن ويليام هيرشل يتخيل الأدوات الحديثة التي ستكشف تفاصيل NGC 1514.

التقط تلسكوب جيمس ويب صورًا مذهلة للسديم بحلقاته المضيئة وسحاباته المعقدة.

تتفوق صور ويب على الأجهزة القديمة وتعرض تفاصيل غير مسبوقة للسديم.

يفتقر سديم NGC 1514 لمادة كربونية أساسية وكشف عن وفرة الأكسجين.

لم يكن بإمكان عالم الفلك البريطاني ويليام هيرشل في عام 1790، وهو يتأمل سديم NGC 1514، أن يتخيل التطور الهائل في الأدوات التي ستستخدم لاحقًا للكشف عن خبايا هذا الجسم الفضائي الغامض. حينها، كان هيرشل يعجز عن رؤيته سوى بطريقة غائمة، دون القدرة على تمييز تفاصيله الداخلية، لكنه وصفه بأول جسم سماوي عميق "غامض" رآه في السماء.

اليوم، تغير الأمر جذريًا مع الصور المذهلة التي التقطها مؤخراً تلسكوب جيمس ويب الفضائي، والتي كشفت عن تفاصيل غير مسبوقة ودقيقة لهذا السديم الغامض. فقد نشرت وكالة ناسا يوم الاثنين الماضي صورًا تجمع بين الدقة والجمال، حصل عليها تلسكوب ويب عبر جهازه "ميري" المتخصص بالتصوير في نطاق الأشعة تحت الحمراء المتوسطة (MIRI)، لتظهر حلقتين مضيئتين واضحتين بشكل مذهل لم يسبق رصده من قبل.


تلسكوب ويب والتحدي الجديد

وبالمقارنة مع الأجهزة السابقة، بدت الصور التي التقطتها الأجهزة الفضائية القديمة، مثل تلسكوب "WISE"، مشوشة وغير واضحة بشكل كاف. ففي عام 2010، تمكن الفلكي مايك ريسلر من عرض أوضح صور ممكنة للسديم آنذاك، والتي اُعتبرت متقدمة في زمنها.

اليوم يعترف ريسلر وسط انبهار واضح، بأن جودة الصور التي وفرها التلسكوب "ويب" تفتح آفاقًا بحثية جديدة، موضحًا:


"قبل ويب، لم نستطع حتى اكتشاف معظم هذه المادة، فما بالك برؤيتها بتفاصيل كهذه الآن. لقد أصبح بإمكاننا الاطلاع بشكل متكامل على طبيعة هذا السديم وتفاعلاته المعقدة".


شكل فريد ونجوم مزدوجة

سديم NGC 1514 يمتاز بشكل لافت ذي بُعدين، بحلقتين متساويتين تقريباً في الحجم، تتكون من كتل وغبار كوني، ما يمنح الجسم ككل هيئة مكتملة الأبعاد تشبه عجلة أو إطاراً دائرياً. ورغم إشارة علماء وكالة ناسا إلى أن الشكل ربما يُشير إلى الساعة الرملية، إلا أن هذا التشبيه لا يظهر بوضوح للوهلة الأولى.

كما أوضحت الصور الجديدة بوضوح وجود سحابة وردية اللون في منطقة قريبة من مركز السديم، مميزة بفتحات تبدو وكأن المادة المتدفقة من النجم الميت قد اخترقتها بسرعة خارقة، مشكلةً بذلك تكوينات معقدة. وبين الباحثون أن هذه الحلقات تشكلت خلال 4000 عام، وستستمر في تطورها وتغير شكلها لآلاف السنين القادمة.

في مركز السديم، يبدو أن هناك نجمًا وحيدًا يتألق بقوة كبيرة، لكن الحقيقة مختلفة، إذ اكتشف الباحثون عام 2017 أن هذا النجم المركزي هو في الواقع نجمان متقاربان للغاية ويدوران حول بعضهما كل تسع سنوات تقريبًا، وهما قريبان لدرجة يصعب معها تمييزهما بسهولة، مما يجعلهما يظهران وكأنهما نجم واحد.

عن هذا الاكتشاف، يقول الدكتور ديفيد جونز، من معهد الفيزياء الفلكية في جزر الكناري:


"كان أحد النجمين، في الماضي، ضخمًا جدًا مقارنة بالشمس، ولكنه فقد مع الوقت جزءًا كبيرًا من طبقاته الخارجية الغنية بالمواد والغبار ليبقى منه فقط اللب الداخلي الساخن، أي ما نسميه بنجم قزمٍ أبيض. وخلال هذه المرحلة، أخذ يطرح مادته الخارجية مشكلاً طبقات دقيقة من الغبار والغاز".


أسرار النقص الكربوني

أثار انتباه العلماء أن سديم NGC 1514 يفتقر إلى مادة كربونية أساسية عادة ما نجدها في مثل هذه التكوينات الكونية، وتُعرف علميًا بالهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات. ويعتقد العلماء أن السبب وراء هذا النقص قد يكون مرتبطًا بالسرعة والتفاعل المضطرب للنجمين، ما سبب اضطرابات منعت هذه الجزيئات من التكون بشكل كامل.

في المقابل، أكدت بيانات تلسكوب ويب وجود وفرة من الأكسجين بالغبار المحيط بالسديم، خصوصًا على حواف الفتحات الموجودة بالسحابة المركزية.


نجم ثالث خارج الصورة

ذو صلة

وبالقرب من النجوم الثنائية المركزية، يظهر نجم آخر مشرق على اليسار، لكن العلماء أكدوا أنه ليس مرتبطًا بهذا الثنائي، بل يقع بمسافة أقرب إلينا كثيرًا، حيث يقع سديم NGC 1514 على بعد نحو 1500 سنة ضوئية، بينما يتموضع ذلك النجم الخارجي على مسافة أقرب بشكل واضح. ويجعل هذا الوضع سطوع نجم السديم ونظيره الثنائي أكثر إثارة للإعجاب بالمقارنة.

تلسكوب جيمس ويب الفضائي، بأجهزته الحديثة وقدراته الهائلة، يعيد كتابة الحكاية الكاملة لسديم NGC 1514. وكما هو متوقع، يعود ويب ليغير مرة أخرى فهمنا للكون من حولنا، ويأخذنا مجددًا في رحلات استكشاف جديدة، أكثر إثارة ومتعة مما تصورناه في الماضي.

ذو صلة