رسميًا: العلماء يؤكدون ما يوجد داخل قمرنا!! مواد زجاجية وهياكل مائية تعيد كتابة تاريخ وجود الماء عليه

3 د
أكدت دراسة حديثة أن القمر يمتلك نواة داخلية صلبة تشبه إلى حد كبير نواة الأرض.
يعتمد الاكتشاف على تحليل بيانات زلزالية من بعثات فضائية ونماذج محاكاة دقيقة.
تدعم النتائج نظرية الانقلاب الداخلي للوشاح القمري، مما يفسر وجود عناصر معينة في المناطق البركانية.
قد تساعد هذه الاكتشافات في تفسير اختفاء المجال المغناطيسي القمري، وتعزز خطط استكشاف القمر مستقبلاً.
بعد عقود من الجدل حول طبيعة نواة القمر، أكد العلماء أن قلب القمر الداخلي ليس مجرد فراغ أو مادة منصهرة بالكامل، بل هو عبارة عن نواة صلبة ذات كثافة قريبة جدًا من الحديد، مما يعزز فهمنا لتاريخ القمر وأصله، وكذلك لتطور النظام الشمسي بأكمله.
دراسة حاسمة تحسم الجدل
في دراسة نُشرت في مايو 2023، توصل فريق بحثي بقيادة عالم الفلك الفرنسي آرثر بريود، من المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا، إلى أن القمر يمتلك نواة داخلية صلبة، تحيط بها طبقة خارجية سائلة. هذه النتائج تُعيد فتح النقاش حول كيفية تشكل القمر وتطوره، وتلقي الضوء على تطور مجاله المغناطيسي القديم.
وكتب الفريق في دراسته: "نتائجنا تدعم نظرية الانقلاب الداخلي للوشاح القمري، مما يمنحنا رؤى أعمق حول توقيت القصف النيزكي العنيف الذي تعرض له النظام الشمسي خلال المليار سنة الأولى من نشأته."
كيف توصل العلماء إلى هذه النتيجة؟
يُعد التحليل الزلزالي الطريقة الأكثر دقة لدراسة البنية الداخلية للأجرام السماوية، حيث تُستخدم الموجات الصوتية الناتجة عن الهزات لرسم خريطة لمكونات باطن الكواكب والأقمار. ورغم توفر بيانات زلزالية للقمر من بعثات "أبولو"، إلا أن دقتها كانت غير كافية لحسم مسألة طبيعة قلب القمر.
ولسد هذه الفجوة، جمع الباحثون بيانات من بعثات فضائية متعددة، بالإضافة إلى تجارب قياس المسافة القمرية بالليزر، لبناء نموذج متكامل يحدد خصائص القمر بدقة. وشملت هذه البيانات مدى تشوه القمر نتيجة جاذبية الأرض، وتغير المسافة بين القمر والأرض، وكثافة القمر الإجمالية.
ثم أجرى الفريق عمليات محاكاة مع نماذج مختلفة للبنية الداخلية للقمر، وقارنوا النتائج بالمشاهدات الفعلية، حتى توصّلوا إلى النموذج الأقرب للواقع.
نتائج مذهلة تعيد تشكيل فهمنا للقمر
أحد الاكتشافات المهمة التي توصل إليها الفريق هو أن وشاح القمر يشهد عمليات انقلاب داخلي نشطة، حيث تتحرك المواد الأكثر كثافة نحو المركز، بينما ترتفع المواد الأخف إلى السطح. هذه العملية كانت قد اقتُرحت سابقًا لتفسير وجود عناصر معينة في المناطق البركانية للقمر، لكن الدراسة الحالية تقدم دليلًا إضافيًا يدعم هذه الفرضية.
كما أكدت الدراسة أن قلب القمر يشبه إلى حد كبير نواة الأرض، إذ يتكون من طبقة خارجية سائلة تحيط بنواة داخلية صلبة. ووفقًا للنموذج الجديد، يبلغ نصف قطر النواة الخارجية حوالي 362 كيلومترًا، بينما يبلغ نصف قطر النواة الداخلية الصلبة حوالي 258 كيلومترًا، أي ما يمثل نحو 15% من نصف قطر القمر بأكمله.
أما كثافة النواة الداخلية، فقد قُدرت بحوالي 7,822 كيلوجرامًا لكل متر مكعب، وهي قيمة قريبة جدًا من كثافة الحديد، مما يشير إلى أن النواة تتكون أساسًا من الحديد الصلب.
تأكيد لنتائج سابقة وتعزيز لفهمنا للقمر
من اللافت أن هذه النتائج تتماشى مع دراسة أُجريت عام 2011 بقيادة العالمة رينيه ويبر من مركز مارشال التابع لناسا، والتي اعتمدت آنذاك على تقنيات زلزالية متقدمة لتحليل بيانات "أبولو". وقد أشارت تلك الدراسة إلى وجود نواة داخلية صلبة يبلغ نصف قطرها نحو 240 كيلومترًا، وتتمتع بكثافة تبلغ حوالي 8,000 كيلوجرام لكل متر مكعب.
تُعَدّ الدراسة الحديثة تأكيدًا قويًا على تلك النتائج السابقة، مما يعزز الفرضية القائلة بأن القمر يمتلك نواة مشابهة لنواة الأرض. وهذا الاكتشاف يحمل دلالات مهمة لفهم تطور القمر، إذ يساعد في تفسير سبب امتلاك القمر لمجال مغناطيسي قوي بعد تشكله، والذي بدأ يتلاشى تدريجيًا منذ نحو 3.2 مليار سنة. يُعتقد أن هذا المجال المغناطيسي ناتج عن حركات الحمل الحراري داخل النواة، ما يجعل طبيعة مكوناتها أمرًا حاسمًا في تفسير اختفائه التدريجي.
نحو فهم أعمق بمهمات قادمة
مع تزايد الاهتمام العالمي بإعادة استكشاف القمر، من المرجح أن تحمل البعثات المستقبلية بيانات زلزالية أكثر دقة، قد تؤكد أو تضيف مزيدًا من التفاصيل حول التركيب الداخلي للقمر. وإذا صحت هذه الاكتشافات، فقد تلعب دورًا مهمًا في تشكيل استراتيجيات استكشاف القمر في المستقبل، وربما تؤثر على خطط إقامة قواعد بشرية على سطحه.
نُشرت هذه الدراسة في مجلة Nature، وهي تمثل خطوة مهمة نحو حل أحد أكبر الألغاز المتعلقة بالقمر.