عالم فلك لماسك: “لن تستعمر المريخ في أي وقت قريب”

4 د
أكد عالم فلك ومستشار في "ناسا" أن رؤية ماسك للهبوط على المريخ خلال هذا العقد "غير واقعية" وتعاني من غياب خطة شاملة.
تتمثل أبرز العقبات بفشل تجارب مركبة "ستارشيب"، وغياب تقنيات دعم الحياة والوقاية من الإشعاع في الفضاء العميق.
شككت شخصيات فضائية بارزة، مثل بيل ناي وخوسيه هيرنانديز، في جدوى المشروع، داعيةً إلى التركيز على القمر أولاً.
رغم التحديات، لا تزال بعض الأصوات العلمية تحتفظ بالأمل في الوصول إلى المريخ، ولكن ضمن أفق زمني أطول وتكلفة هائلة.
في تصريحات حاسمة أثارت جدلاً واسعاً، وجّه عالم فلك ومستشار لوكالة "ناسا"، انتقادات لاذعة لرؤية الملياردير إيلون ماسك بشأن استعمار كوكب المريخ، مؤكداً أن تحقيق هذا الحلم في المستقبل القريب "لن يحدث ببساطة". هذه التصريحات جاءت في مقال رأي نشرته مجلة "ساينتفك أمريكان" العلمية، حيث سخر الدكتور بول ساتر من الجدول الزمني الذي يروج له ماسك، معتبراً إياه خيالياً وغير مدعوم بخطط عملية متكاملة.
أحلام فضائية أم مبالغات تسويقية؟
لطالما صرّح إيلون ماسك، مؤسس شركة "سبيس إكس"، بأن هدفه النهائي يتمثل في تحويل البشرية إلى حضارة متعددة الكواكب، متوقعاً أن تبدأ أولى خطوات استعمار المريخ في غضون العقود القليلة المقبلة. وفي مقابلة أجريت معه مؤخراً على قناة "فوكس نيوز"، أشار إلى إمكانية تأسيس حضارة بشرية متعددة الكواكب في غضون 20 إلى 30 عاماً، بينما سبق له أن توقّع هبوطاً آلياً غير مأهول على سطح المريخ بحلول عام 2026، تليه بعثة مأهولة قبل نهاية العقد الجاري.
غير أن الدكتور ساتر يرى أن هذه التوقعات لا تستند إلى خطة علمية مدروسة، بل إلى مجرد حسابات فلكية تتعلق بأقرب نافذة إطلاق ممكنة بين الأرض والمريخ، عندما يكون الكوكبان على نفس الجانب من النظام الشمسي. وقد شبّه ذلك بالإعلان عن رحلة تخييم في عطلة نهاية الأسبوع التالية دون امتلاك معدات التخييم أو سيارة صالحة للسفر، بل "وقد تكون انفجرت أيضًا"، على حد وصفه الساخر.
عقبات تقنية وواقعية مؤجلة
ساتر، الباحث في جامعة "جونز هوبكنز"، أقر بحدوث "قفزات هائلة" في تكنولوجيا الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام بفضل جهود "سبيس إكس"، لكنه حذر من أن الطريق إلى المريخ لا يزال طويلاً ومليئاً بالعقبات. من أبرز هذه التحديات تصميم مركبة "ستارشيب"، التي واجهت سلسلة من الإخفاقات في تجاربها التجريبية الأخيرة، حيث انتهت عدة اختبارات بانفجارات مدوية.
كما أشار إلى الكلفة الباهظة لأي مهمة من هذا النوع، والتي قد تصل إلى مئات المليارات أو حتى تريليونات الدولارات. ولفت إلى أن المقارنة بين برنامج "أبولو" الذي أنجز الهبوط على سطح القمر خلال أقل من عقد في ستينيات القرن الماضي، وبين مشروع المريخ، غير دقيقة. فالمريخ يبعد عن الأرض في أقرب نقطة له حوالي 56 مليون كيلومتر، أي ما يعادل 150 ضعف المسافة إلى القمر.
بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الوصول إلى المريخ تقنيات لم تُطوّر بعد، مثل إعادة تزويد المركبة بالوقود في مدار الأرض، وهي تقنية ما تزال في مراحلها الأولى. وحتى الآن، لم يتمكن أي مركبة هبوط فضائية من إنجاز هبوط دقيق وموجّه على سطح المريخ المليء بالفوهات.
تحديات بشرية تتعدى النقل
يُشير الدكتور ساتر إلى أن مجرد الوصول إلى سطح المريخ ليس سوى البداية، فبعثة مأهولة تتطلب نظام دعم حياة شديد التعقيد، قادر على توفير بيئة معيشية مستقرة تحمي روّاد الفضاء من الإشعاعات الكونية وآثار انعدام الجاذبية خلال الرحلة التي قد تستغرق عامين ذهاباً وإياباً. هذا بالإضافة إلى الحاجة لتطوير مركبة فضائية صالحة للسكن البشري في الفضاء العميق، وهو ما لم يتحقق حتى اليوم.
وتعود جذور هذه الخطط إلى ما قبل أكثر من عقدين، حينما صرح مدير "ناسا" الأسبق تشارلز بولدن بأن رواد فضاء أمريكيين سيطأون سطح المريخ بحلول 2030. إلا أن هذه الاستراتيجية عُدّلت لاحقاً في عهد إدارة أوباما، ليتم التركيز على القمر مجدداً. ثم أعاد الرئيس دونالد ترامب في ولايته الأولى توجيه الجهود نحو برنامج "أرتميس" القمري.
دعم محدود وتحذيرات من التسرع
تعليقات الدكتور ساتر لاقت تأييداً من بعض الأصوات الفضائية الأخرى، منها رائد الفضاء السابق خوسيه هيرنانديز، الذي صرّح لصحيفة "ذا هيل" بأن البشرية ما تزال على بُعد 15 عاماً على الأقل من أي رحلة مأهولة للمريخ، داعياً إلى التركيز على إنشاء قاعدة على سطح القمر لاختبار التقنيات الضرورية أولاً.
أما العالِم الشهير بيل ناي، فقد انتقد فكرة "تحويل المريخ إلى كوكب صالح للحياة" قائلاً في تصريح سابق عام 2019:
"هل أنتم تمزحون؟ نحن بالكاد نعتني بكوكب الأرض الذي خُلقنا لنتكيف معه، فكيف سننجح على كوكب آخر؟".
آمال باهتة... ولكنها قائمة
في المقابل، لا يزال البعض يتمسك بالأمل، وإن كان حذراً. فقد صرح هوبّي برايس من مختبر الدفع النفاث التابع لناسا قبل سنوات أن "الوصول إلى المريخ ممكن في حياتنا، ولا يستدعي تريليون دولار". بينما يرى روبرت زوبرين، رئيس "جمعية المريخ"، أن عام 2028 قد يشهد رحلة ذات اتجاه واحد، ولكن بشروط صارمة تتطلب وجود بنى تحتية مثل البيوت الزجاجية ومحطات الإقامة قبل إرسال أي طاقم بشري دائم.
ومع ذلك، عبّر زوبرين عن تحفظاته على خطط ماسك، قائلاً:
"ليس لدي انطباع بأنهم يطورون الأنظمة الأرضية اللازمة لاستدامة الحياة على سطح المريخ. التركيز منصبّ بالكامل على وسائل النقل، أما إنتاج الأوكسجين والميثان على نطاق واسع هناك، فلا نراه يتحقق بعد".
ورغم أن ماسك صرح عام 2016 بأن إقامة مستعمرة بشرية مكتفية ذاتياً على سطح المريخ قد يستغرق من 40 إلى 100 عام، فإن ذلك يبقى حلماً بعيد المنال، لا يخلو من أبعاد دعائية. وكما قال عالم الفلك نيل ديغراس تايسون:
"قد نزور المريخ كمكان سياحي، لكن من الصعب تخيل أعداد كبيرة من الناس يرغبون في الإقامة هناك للأبد".