ذكاء اصطناعي

في إنجاز كمي غير مسبوق… فيزيائيون يبتكرون “أكثر قط شرودنغر سخونة” في التاريخ

في إنجاز كمي غير مسبوق... فيزيائيون يبتكرون "أكثر قط شرودنغر سخونة" في التاريخ
مجد الشيخ
مجد الشيخ

4 د

تجربة "قطة شرودنجر" تبين مفهوم التراكب الكمي بشكل غريب ومثير للاهتمام.

تحتاج التجارب الكمومية لدرجات حرارة تقارب الصفر المطلق لإبقاء الحالة الكمومية.

تمكن الباحثون من تحقيق حالة كمومية عند 1,8 كلفن، أعلى من المعتاد.

النجاح في درجات حرارة أعلى قد يؤدي لثورة في الحوسبة الكمومية.

التجربة خطوة أولى للوصول لحواسيب كمية تعمل بدرجات حرارة أقرب للطبيعية.

لطالما كانت فيزياء الكم واحدة من أكثر ميادين العلوم غرابة وإثارةً، فمن بين تلك الظواهر المثيرة للدهشة، ظهرت تجربة شهيرة تُعرف بتجربة "قطة شرودنجر"، والتي تحاول تصوير ما يُطلق عليه العلماء حالة التراكب الكمي.

تخيل الأمر كأنك تضع قطًا بداخل صندوق مُحكم الإغلاق إلى جانب قارورة تَحتوي على مادة سامّة. يعتمد تحرير هذه المادة السامة على حدث إشعاعي عشوائي، ووفقاً لميكانيكا الكم، يبقى القط حيًا وميتًا في ذات الوقت حتى نفتح الصندوق للتحقق من حالته. هكذا صوّر الفيزيائي الأشهر إيرفين شرودنجر في ثلاثينيات القرن الماضي الغرابة التي تنطوي عليها قوانين ميكانيكا الكم.


حاجز البرودة والتحدي العملي

على الرغم من غرابة هذه النظرية، إلا أن العلماء استطاعوا محاكاة ظروف شبيهة بها في تجارب سابقة عديدة. لكن التحدي كان دائمًا في ضرورة الوصول إلى درجات حرارة منخفضة للغاية – تقارب الصفر المطلق عند حوالي 273 درجة مئوية تحت الصفر – لتنفيذ هذه التجارب بنجاح.

سبب الحاجة إلى هذه البرودة يكمن في أن الظواهر الكمومية بالغة الحساسية، وأي اضطراب حراري بسيط قد يؤدي إلى انهيار الحالة الكمومية التي يتم دراستها، وبالتالي تضيع النتائج التي يسعى الباحثون للحصول عليها.


خطوة هامة نحو حرارة أعلى!

ولكن يبدو الآن أن ذلك على وشك أن يتغير بشكل كبير. فقد تمكن فريق من الفيزيائيين، في دراسة حديثة نُشرت في مجلة "Science Advances" مؤخراً، من تحقيق إنجاز غير مسبوق عبر إنشاء ما يُعرف بحالة "قطة شرودنجر" عند درجات حرارة أعلى بكثير من ذي قبل، والتي لا تزال بالطبع باردة على مقاييس الحياة اليومية، لكنها تعتبر ساخنة جداً مقارنة بدرجات الحرارة المستخدمة في مثل هذه التجارب سابقًا.

نجح الباحثون في هذه التجربة بوضع "بت كمي" أو ما يُعرف اختصارًا بـ "كيوبت" داخل جهاز تجويف ميكروويف. وبفضل تعديلات دقيقة وتجارب استمرت طويلاً، تمكنوا من إدخال هذا الكيوبت في حالة التراكب الكمومي عند درجة حرارة 1.8 كلفن، أي حوالي 271 درجة مئوية تحت الصفر. وعلى الرغم من أن هذه الدرجة لا تزال باردة للغاية، لكنها تُمثل تحسناً هائلًا - حوالي 60 مرة أعلى من درجة حرارة منخفضة قياسية سابقة - وتمتاز بأنها كانت كافية لإظهار أن الحالة الكمومية يمكن تحقيقها فعلياً في بيئات أقل برودة بكثير من السابق.


تبعات كبيرة على مستقبل الحوسبة الكمية

الدكتور غيرهارد كيرشماير، الباحث المشارك في الدراسة من جامعة إنسبروك في النمسا، قال إن فريقه أراد أن يتأكد مما إذا كانت الظروف الكمومية التي اقترح شرودنجر أنه يمكن لها أن تحصل مع "قط حي"، أي في درجات حرارة أعلى، ممكنة التحقيق فعليًا. وعلّق قائلاً:


"كان شرودنجر يفترض قطًا حيًا، أي دافئًا، في التجربة الذهنية الأصلية. هذا ما حاولنا استكشافه عمليًا".

أما الباحث الآخر في الدراسة، طالب الدكتوراه توماس أغرينيوس من معهد علوم الفوتونيات في برشلونة، فقد أعرب عن تفاؤله الشديد، موضحًا أن نجاح فريقه في هذه التجربة مثّل مفاجأة سارة لأوساط العلماء، الذين طالما ظنوا أن الحرارة هي مُدمر حتمي لأي حالة كمومية.

وفي الحقيقة، يبشّر هذا الإنجاز بأن العديد من التطبيقات المستقبلية للحوسبة الكمية قد لا تحتاج بعد سنوات للعمل ضمن ظروف تبريد صارمة كما هو الحال اليوم. ففي الوقت الراهن، تحتاج أجهزة الحوسبة الكمية إلى أجهزة تبريد متطورة باهظة الثمن للمحافظة على استقرار الكيوبتات، لذلك فزيادة درجة الحرارة التي يمكن للظواهر الكمومية أن تحدث فيها قد يُحدث نقلة نوعية كبيرة في مستقبل هذه التكنولوجيا.


خطوات نحو مستقبل واعد

لا يزال الباحثون يعتبرون أن هذه التجربة خطوة واحدة متواضعة، وإن كانت واعدة، على طريق الوصول إلى الهدف الأسمى وهو حواسيب كمية تعمل ضمن درجات حرارة قريبة من حرارة الغرفة العادية. وإذا ما نجحوا في يوم ما برفع درجات الحرارة إلى مستويات أكثر دفئًا بعد، فإن هذا سيفتح الباب واسعًا أمام تطبيقات علمية وتكنولوجية هائلة وتكاليف أقل وتوسعٍ في استخدام تلك التقنيات الحديثة.

ذو صلة

من الجدير بالذكر أنه لا توجد حدود صلبة تقف بين العالم الكمومي الغريب الذي يختص بالأشياء الصغيرة جدًا وبين العالم اليومي الاعتيادي الذي نعيشه. لذلك، وبحسب كيرشماير وزملائه، فإن المفتاح هو في خلق الظروف المناسبة للتفاعلات والظروف التي تحفظ تلك الخصائص الكمومية الحساسة.

إذاً، يبدو أن ما حققه هؤلاء الباحثون ليس فقط تجربة علمية مثيرة ومليئة بالغموض والفائدة، ولكنه أيضًا خطوة عملية هامة على الطريق الطويل نحو إدماج الحوسبة الكمومية في حياتنا اليومية بشكل أكثر سهولة وبدرجة حرارة أقرب لما نعتبره طبيعيًا. والمتابعون لهذه التكنولوجيا سيترقبون بشغف ما ستكشف عنه السنوات المقبلة في هذا المجال المثير.

ذو صلة