لغز الأحجار القديمة.. كشف سر “التضحية” الغامضة أخيراً
3 د
تم اكتشاف مئات من "حجارة الشمس" في موقع فاساغورد في جزيرة بورنهولم الدنماركية.
تشير الأدلة إلى أن هذه الحجارة تم رميها كقرابين نتيجة لثورة بركانية هائلة غطت الشمس لفترات طويلة.
كانت التغيرات المناخية الناتجة عن البركان سببًا رئيسيًا وراء هذه الطقوس.
تم تعديل هيكل الموقع بعد هذه الحقب الزمنية، مما يدل على تغيرات ثقافية ودينية كبيرة.
منذ آلاف السنين، كان سكان جزيرة بورنهولم الدنماركية يرمون مئات الحجارة المنقوشة بطريقة غامضة في خندق قبل دفنها. كانت هذه الحجارة، التي عُرفت باسم "حجارة الشمس"، تشكل لغزًا محيرًا حول سبب استخدامها ورميها في الخنادق بشكل جماعي. لكن اكتشافات جديدة حول الحقب الزمنية وتسجيلات متعلقة بالبراكين قد تكشف عن السبب الحقيقي وراء هذه الطقوس الغريبة.
قبل حوالي 4900 عام، اندلعت ثورة بركانية ضخمة كان من شأنها أن تحجب الشمس لفترات طويلة، مما دفع سكان تلك المنطقة إلى تقديم هذه الحجارة كقرابين بهدف استعادة ضوء الشمس.
الشمس كمحور لحياة البشر الأوائل
يُعرب الباحث روني إيفرسن، عالم الآثار من جامعة كوبنهاجن، عن اعتقاده بأن الشمس كانت محورًا أساسيًا في حياة المجتمعات الزراعية القديمة في شمال أوروبا. ويضيف إيفرسن: "لقد اعتمد هؤلاء الناس على الشمس في زراعتهم لتحقيق محاصيلهم. إذا اختفت الشمس بسبب الضباب الذي ساد الغلاف الجوي لفترات طويلة، فإن ذلك كان سيشكل تهديدًا كبيرًا لهم."
اكتشاف "حجارة الشمس" في بورنهولم
تم العثور على العديد من هذه الحجارة المنقوشة في موقع فاساغورد الأثري في جزيرة بورنهولم، الذي يعود تاريخه إلى ما بين 3500 و 2700 قبل الميلاد. يشير الباحثون إلى أن الموقع كان مكانًا دينيًا مخصصًا لعبادة الشمس، حيث كانت مداخله تتماشى مع الشمس خلال فترات الانقلابين الصيفي والشتوي.
تم دفن أكثر من 600 حجر شمس في خنادق بجانب ممر يمر عبر الموقع، وهي تمثل ساعات طويلة من النقش المتقن الذي يشير إلى أهمية روحانية تتعلق بالشمس، الخصوبة والنمو. هذه النقوش تتخذ شكل خطوط مشعة تنطلق من المركز، مما يوحي بأن هذه الحجارة كانت تُستخدم في طقوس دينية متعلقة بالشمس.
اكتشاف الأدلة على ثوران بركاني قديم
يعتقد الباحثون أن السبب وراء هذه الطقوس كان مرتبطًا بثوران بركاني ضخم حدث حوالي 2900 قبل الميلاد. فقد أظهرت عينات من نواة جليدية مأخوذة من غرينلاند وجود كمية كبيرة من الكبريت في طبقة تعود إلى نفس الفترة الزمنية، وهو ما يعد دليلاً على ثوران بركاني هائل أدى إلى انتشار الرماد الذي غطى طبقات الجليد. هذا الحدث ربما كان قد سبب تدهورًا طويلًا في الإضاءة الشمسية وأدى إلى مخاوف كبيرة لدى السكان المحليين من حدوث جفاف وقحط.
تأثير التغيرات المناخية على المجتمعات القديمة
بالإضافة إلى ذلك، تشير طبقات الرواسب السنوية في ألمانيا، والمعروفة باسم "فارف"، إلى فترات من انخفاض ضوء الشمس، بما في ذلك فترة هامة في 2900 قبل الميلاد. كما أظهرت حلقات الأشجار في الصنوبر الأمريكية السميكة علامات جفاف وبرودة شديدة في نفس الفترة، مما يعزز فرضية وجود تغييرات مناخية كبيرة نتيجة للثوران البركاني.
فرضية الطقوس الدينية
يرى الباحثون أن تقديم "حجارة الشمس" كان محاولة من قبل البشر الأوائل لحماية أنفسهم من التدهور المناخي المستمر، أو ربما كانت طقوس شكر على عودة الشمس بعد غيابها الطويل. وقد لاحظ الباحثون أيضًا تغييرًا كبيرًا في تصميم الموقع بعد هذه الحقب الزمنية، حيث تم استبدال الخنادق التي كانت تستخدم لتقديم القرابين بأسوار وأكواخ دائرية مخصصة للعبادة.
التغيير الاجتماعي والثقافي في المنطقة
بعد تقديم هذه الحجارة كقرابين، تغير هيكل الموقع بشكل ملحوظ، وهو ما يشير إلى أن الأحداث المناخية الكارثية قد أثرت بشكل عميق على سكان المنطقة، حيث أدى ذلك إلى حدوث تغييرات في احتياجاتهم الدينية والاجتماعية. هذه التحولات في الموقع تتزامن مع انتشار الطاعون في المنطقة وتحولات ثقافية واسعة نتيجة الهجرات الجماعية عبر أوروبا.
ختامًا، تظهر هذه الاكتشافات الجديدة أن البشر في العصر النيوليثي قد استخدموا طقوسًا دينية معقدة للتعامل مع التحديات البيئية الكارثية التي نشأت عن الثورات البركانية القديمة. ورغم أن هذا البحث يعطينا رؤية أعمق عن حياة هؤلاء الناس واعتقاداتهم، إلا أن هناك الكثير من الأسئلة التي لا تزال بحاجة إلى إجابة.