هابل يعيدنا إلى لحظة الولادة الكونية: صور لـ “عمود الخلق” كما لم نرها من قبل

3 د
التقط تلسكوب هابل صورة مذهلة لأحد أعمدة التكوين في سديم النسر.
يعرض العمود الكبير ارتفاعًا يصل إلى 9,5 سنة ضوئية داخل السديم.
يتشكل العمود نتيجة تفاعلات الإشعاع النجمي مع الغبار والغاز.
تمكن العلماء من تحسين دقة الصورة ودراستها من خلال تطبيق تقنيات تصوير حديثة.
تساهم الصورة في فهم أعمق لتكوين النجوم والكون المحيط.
إذا كنت ممن يحبون النظر إلى النجوم ويسحرهم الكون بأسراره ومشاهداته الخلابة، فالصورة الجديدة التي قدمتها وكالة ناسا مؤخرًا ستنال إعجابك بلا شك. استطاع تلسكوب هابل الفضائي أن يلتقط صورة فريدة لأحد أعمدة التكوين في سديم النسر، وهو ما يجعلنا نرى بوضوح لا مثيل له تفاصيل مذهلة تخطف الأنفاس.
عمود عملاق في قلب السديم
هذا العمود الهائل، الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 9.5 سنة ضوئية (وهذه مسافة هائلة حقًا)، يظهر كبرج سماوي مصنوع من الغبار والغاز المتراكم في سديم النسر المعروف باسم "Messier 16". يقع هذا السديم، الذي يُعتبر واحدًا من أشهر مناطق ولادة النجوم، على مسافة تقارب 7 آلاف سنة ضوئية من كوكبنا، تحديدًا ضمن كوكبة الحية (Serpens).

ورغم أن هذه الأعمدة تبدو لنا ضخمة بشكل لا يصدق، فهي في الحقيقة مجرد جزء صغير من سديم النسر الواسع. وهذه الأعمدة المميزة تتشكل نتيجة صراع مستمر بين المادة الموجودة في الفضاء والإشعاعات القوية الصادرة عن النجوم الناشئة المحيطة بها.
كيف تتشكل هذه الأعمدة الكونية؟
تخيل معي للحظة نجومًا شابةً ولدت حديثًا، تبعث أشعة فوق بنفسجية قوية ورياحًا نجمية عاتية تضغط و"تنحت" الغبار والغاز المحيط بها. هذه العملية تقضي على المناطق الأقل كثافة، تاركة مناطق أكثر كثافة تقاوم لتشكّل أعمدة ضخمة من الغاز والغبار مثل تلك الظاهرة التي نراها في صورة هابل.
أما الجزء الأكثر جمالًا من هذه العملية، فهو أنها ليست فقط تدميرية، بل بداخلها حياة جديدة أيضًا. هذه الأعمدة تتحول شيئًا فشيئًا لحاضنات طبيعية تولد فيها نجوم جديدة، فهي تنهار تدريجيًا بسبب قوة الإشعاعات النجمية الموجودة، ما يؤدي إلى تجمّع الغاز والغبار إليها لتكوين نجوم حديثة الولادة. ويمكن القول إن هذه العملية هي دائرة حياة مستمرة تحدث منذ ملايين السنين داخل هذه البيئة الكونية الساحرة.
تقنيات التصوير الجديدة تقدم لمحات غير مسبوقة
ربما تسأل نفسك الآن؛ كيف تمكن تلسكوب هابل من التقاط صورة بهذا الوضوح والدقة؟ في الحقيقة، استفاد العلماء من تقنيات تصوير ومعالجة حديثة، أعادوا بها تحليل البيانات القديمة التي كانت مخزنة لدى هابل لأعوام. هذه التقنيات مكّنتهم من إبراز التفاصيل الدقيقة لتصبح الصورة الحالية أدق وأجمل مقارنةً بما تم التقاطه في الماضي.
من الناحية العلمية، تمثل هذه الصور الجديدة معلومات قيمة جدًا تساعد علماء الفضاء على دراسة تكوين النجوم وتأثيراتها على المادة المحيطة بها بشكل أكثر تفصيلًا. كما تساهم في فهمنا لطبيعة المواد ومراحل تطور السحب الغازية والكون بأكمله.
نحو مستقبل من الاكتشافات الكونية
تمثل هذه الصورة الجديدة التي تم نشرها في 18 أبريل 2025 تأكيدًا على أهمية الاستمرار في استكشاف ودراسة الكون باستخدام أدوات عصرية متقدمة مثل تلسكوب هابل، وكذلك تلسكوب جيمس ويب الفضائي الجديد. كلما تطورت تقنيات الرصد الفلكي، كلما تمكنا من الغوص بشكل أعمق في أسرار الكون الذي لا يتوقف عن إبهارنا.
لا شك أن الفضاء يضم الكثير من المشاهد الخلابة التي تزيد من رغبتنا في استكشاف المزيد؛ وما يفعله هابل يثبت يوم بعد الآخر أننا أمام كنوز سماوية لم نكتشف سوى القليل منها حتى الآن.