ذكاء اصطناعي

ألبانيا تعيّن أول وزيرة رقمية في العالم: دييلا تدخل الحكومة بلا جسد

مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

اتخذت ألبانيا خطوة جريئة بتعيين أول وزيرة افتراضية، "دييلا"، لإدارة المشتريات الحكومية.

تهدف دييلا لضمان نزاهة المناقصات الحكومية باستخدام الذكاء الاصطناعي والأنظمة الإلكترونية.

تحمل هذه المبادرة أهمية خاصة في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في الإدارة العامة.

التحول الرقمي يضع ألبانيا في مقدمة النقاش العالمي حول الذكاء الاصطناعي وحوكمة البيانات.

التعيين يربط الابتكار التكنولوجي بالهوية الثقافية، مُعززًا الثقة بين الشعب والحكومة.

بينما لا تزال الحكومات حول العالم تناقش كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، اتخذت ألبانيا خطوة سبّاقة وفريدة بتعيين أول وزيرة افتراضية بالكامل، تحمل اسم “دييلا”، لتكون المسؤولة عن إدارة المناقصات العامة وملفات الشراء الحكومي في البلاد. في لحظة تاريخية شهدتها تيرانا، أزاح رئيس الوزراء إيدي راما الستار عن هذه الشخصية الرقمية الجديدة، ليصبح اسم دييلا ـ التي يعني اسمها “أشعة الشمس” بالألبانية ـ حديث الشارع ووسائل الإعلام.


من الذكاء الاصطناعي إلى واقع الإدارة العامة

ربما كان البعض يظن أن فكرة وزير مصنوع من خوارزميات الذكاء الاصطناعي لا تزال ضرباً من الخيال العلمي، لكنها تحولت الآن إلى واقع ملموس تديره الحكومة الألبانية. والحكاية بدأت خلال الصيف عندما لمح راما إلى إمكانية وجود “وزير رقمي” في المستقبل، أو حتى رئيس وزراء افتراضي. لم يكن أحد يتوقع أن تتحول الفكرة إلى تعيين رسمي بهذه السرعة، لكن الإعلان المفاجئ أكد رغبة السلطات في تطوير مسار الشفافية وتحجيم الفساد.

تسلمت دييلا مهمتها الجديدة رسمياً خلال اجتماع الحزب الاشتراكي، لتكون الوزيرة الوحيدة غير البشرية بين فريق العمل الحكومي. بحسب رئيس الوزراء، ستتولى دييلا إدارة كل ما يتعلق بالمشتريات الحكومية عبر نظام إلكتروني، بهدف جعل جميع المناقصات “نزيهة بنسبة مئة بالمئة”، حسب تعبيره. ويرى المسؤولون أن هذه الخطوة ستمثل ثورة في مجال الحوكمة الرقمية والرقمنة، مع الاعتماد الكامل على قواعد البيانات الحديثة وسلاسل الكتل التقنية لضمان النزاهة.


الشفافية ومكافحة الفساد: تحولات جوهرية في الإدارة العامة

وتبرز أهمية تعيين دييلا، كونها تأتي في سياق معركة طويلة تخوضها ألبانيا ضد الفساد، خصوصاً في معاملات الشراء الحكومي. ضغوط الإتحاد الأوروبي وتوصيات تقاريره السنوية حول سيادة القانون دفعت الحكومة الألبانية لمحاولة اجتراح حلول غير تقليدية، وكان الذكاء الاصطناعي العامل الطموح الذي لجأت إليه. تهدف دييلا إلى تقييم عروض المناقصات، وضمان رقابة صارمة على كل اليوروهات التي تمر عبر الصفقات العامة. بل إن النظام يمنحها الحق في “استقطاب أفضل المواهب من جميع أنحاء العالم” بهدف تجديد الإدارة ورفدها بالخبرات، متجاوزة بذلك حدود البيروقراطية التقليدية والثقافات الوظيفية الجامدة.


اعتماد منصة “e-Albania” وتغيير ثقافة العمل الحكومي

ويحمل هذا التعيين طابعاً عملياً لأن دييلا ليست جديدة على الألبانيين. فهي بالفعل وجه معروف على منصة “e-Albania” الرقمية، التي تتيح للمواطنين الحصول على معظم الخدمات الحكومية عبر الإنترنت. أفاتار دييلا يظهر على المنصة بلباس تقليدي ألباني، في محاولة لربط الابتكار التكنولوجي بالهوية الثقافية للبلاد. ومن خلال تطوير الخدمات الرقمية وزيادة الشفافية، تسعى الحكومة أيضاً لزيادة الثقة بين الشعب والنظام الإداري، وهو أمر ضروري في بلدٍ لطالما عانى من ضعف الثقة في المؤسسات، وارتفاع نسب التداول النقدي خارج النظام المصرفي.


الآفاق والتحديات: كيف ينظر الألبانيون للمستقبل الرقمي؟

هذه المبادرة الجريئة تحمل بين طياتها رهانات كبيرة، فبينما يأمل رئيس الوزراء إيدي راما أن يساعد التحول الرقمي على تسريع مسار انضمام ألبانيا إلى الاتحاد الأوروبي بحلول 2030، يطرح مواطنون ومراقبون أسئلةً بشأن مدى قدرة الخوارزميات على معالجة التعقيدات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. كما أن الخوف من إحلال الذكاء الصناعي مكان الوظائف التقليدية حاضر، بالإضافة إلى تحدي تغيير ثقافة الاعتماد على النقد إلى الدفع الإلكتروني خلال أقل من عشر سنوات. هذا الربط العميق بين الابتكار الرقمي ومشاريع الإصلاح يضع ألبانيا في صدارة النقاش العالمي حول الذكاء الاصطناعي، الإدارة العامة، الخصوصية، وحوكمة البيانات.

ذو صلة

ألبانيا على أعتاب ثورة رقمية شاملة

في النهاية، يبدو أن ألبانيا اختارت أن تسلك طريق التجربة وتستقي الدروس من الواقع بدلاً من الاكتفاء بالنظريات. تعيين وزيرة افتراضية مثل دييلا هو رسالة واضحة للعالم: الشفافية والنزاهة يمكن دعمهما بالتكنولوجيا، والابتكار الرقمي لم يعد رفاهية بل ضرورة لمحاربة الفساد وتعزيز الثقة. بينما تراقب الحكومات الأخرى التجربة عن كثب، يبقى السؤال معلّقاً: هل ستنجح دييلا في أن تكون أشعة الشمس التي تضيء درب الإصلاح؟ الأيام وحدها ستجيب.

ذو صلة