ألغاز الأضواء الغامضة.. من اتهام الأشباح إلى العلم!

3 د
ظهرت أضواء غامضة لعقود في سومرفيل بولاية ساوث كارولينا، مما أدى إلى انتشار أساطير تربطها بأشباح هائمة.
قدّمت العالمة سوزان هوف تفسيرًا علميًا جديدًا، مشيرةً إلى أن هذه الأضواء قد تكون ناتجة عن ظاهرة أضواء الزلازل.
أظهرت الدراسة أن أولى مشاهدات الأضواء تزامنت مع وقوع زلازل متوسطة الشدة، ما قد يكون أدى إلى انبعاث غازات من باطن الأرض واشتعالها.
لا تزال النظرية بحاجة إلى إثبات علمي نهائي، حيث يجري الباحثون دراسات إضافية لرصد انبعاثات الغازات والتحقق من علاقتها بهذه الظاهرة.
لعقود طويلة، شغلت أضواء غامضة السكان في بلدة سومرفيل بولاية ساوث كارولينا، حيث ظهرت بشكل متكرر على امتداد سكة حديد مهجورة، مما أثار العديد من الأساطير المحلية التي تربطها بأشباح هائمة تبحث عن العدالة أو الحنين إلى أحبائها. لكن الآن، توصلت الأبحاث العلمية إلى تفسير غير متوقع—وربما أكثر إثارة للدهشة—لهذه الظاهرة.
أسطورة حزينة ارتبطت بالمجهول
تم توثيق هذه الأضواء لأول مرة منذ منتصف القرن العشرين، حيث أفاد السكان بظهورها ليلاً، خاصة خلال الأجواء الضبابية الكثيفة بالقرب من مسار السكة الحديد المهجور. تروي القصة الشعبية أن الضوء ينبعث من مصباح تحمله روح امرأة تبحث عن زوجها الذي يُقال إنه قُتل في حادث مروع، إذ تم قطع رأسه على السكة الحديد.
وبمرور الزمن، لم تتوقف المشاهدات عند الأضواء فحسب، بل امتدت إلى تقارير عن أبواب تُغلق بعنف، وخطوات مجهولة المصدر، وحيوانات مذعورة دون تفسير. هذه الظواهر عززت الاعتقاد السائد بأن المنطقة مسكونة، مما دفع الكثيرين إلى زيارة الموقع على أمل رؤية "الشبح" بأعينهم.
العلم يتدخل لكشف الحقيقة
لكن الباحثة سوزان هوف، عالمة الزلازل في هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS)، قدمت تفسيرًا جديدًا قد يُبدد هذه القصص الغامضة. وفقًا لدراستها، فإن هذه الأضواء قد لا تكون إلا ظاهرة طبيعية تُعرف باسم "أضواء الزلازل"، وهي ومضات ضوئية نادرة تظهر قبل أو أثناء حدوث النشاط الزلزالي.
وتشير هوف إلى أن أولى المشاهدات الموثقة لهذه الأضواء في سومرفيل تتزامن مع وقوع ثلاثة زلازل خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، تراوحت شدتها بين 3.5 و4.4 درجة على مقياس ريختر. وترجح الدراسة أن هذه الهزات قد تسببت في إطلاق غازات مثل الميثان أو الرادون من باطن الأرض، حيث قد تفاعلت مع شحنات كهربائية ناجمة عن احتكاك الصخور، مما أدى إلى ظهور الأضواء الغامضة.
كما يعتقد الباحثون أن المسارات الحديدية المهجورة والمخلفات المعدنية المحيطة قد ساهمت في تعزيز هذا التأثير، حيث تعمل المعادن كموصلات كهربائية تُسهّل اشتعال الغازات، مما ينتج عنه وهج ضوئي يبدو شبيهاً بمصباح تحمله يد غير مرئية.
العلم وراء الأضواء الزلزالية
لا تزال أضواء الزلازل واحدة من أكثر الظواهر المثيرة للجدل في علم الجيوفيزياء، إذ تعود تقارير ظهورها إلى قرون مضت، وتم توثيقها في مناطق مختلفة من العالم، مثل اليابان، وإيطاليا، والبيرو، حيث ظهرت هذه الأضواء في الأيام التي سبقت وقوع زلازل كبيرة.
تختلف أشكال هذه الأضواء بين كرات طافية، ووميض متقطع، وأحيانًا توهجات ثابتة في السماء أو بالقرب من سطح الأرض. إحدى الفرضيات العلمية الرائدة تُرجّح أن الضغط والاحتكاك بين الصخور في القشرة الأرضية يُنتجان شحنات كهربائية تُؤين الهواء، مما يؤدي إلى ظهور هذه الأضواء. بينما تفترض نظرية أخرى، تُعرف بـ "الإضاءة الاحتكاكية" (Triboluminescence)، أن الصخور التي تتحطم تحت الضغط تُطلق دفعات كهربائية يمكن أن تُشعل الغازات المحيطة بها، مما يُنتج ومضات ضوئية غامضة.
حالات مماثلة حول العالم
ما يحدث في سومرفيل ليس فريدًا من نوعه، فقد شوهدت ظواهر مماثلة عبر التاريخ في أماكن متفرقة من العالم. أحد أشهر هذه الأحداث وقع خلال زلزال تشارلستون عام 1886، وهو زلزال مدمر ضرب ولاية ساوث كارولينا، حيث أفاد شهود عيان حينها برؤية ومضات ضوئية غامضة في السماء تشبه تلك التي تحدث في سومرفيل.
نظرًا لقرب سومرفيل من خطوط صدع زلزالي نشط بالقرب من تشارلستون، من الممكن أن تكون هذه الأضواء نتيجة لهزات أرضية صغيرة لم يتم رصدها بشكل دقيق، لكنها كانت كافية لإحداث الظاهرة المضيئة الغريبة.
هل يمكن إثبات النظرية؟
رغم أن فرضية هوف تُعد منطقية، إلا أنها لم تُثبت بشكل قاطع بعد. الخطوة التالية ستكون مراقبة انبعاثات الغازات في المنطقة وتحديد ما إذا كانت هناك أدلة مباشرة على تسربها واشتعالها بفعل النشاط الجيولوجي.
إذا تم تأكيد هذه النظرية، فسيُضاف "أضواء سومرفيل" إلى القائمة المتزايدة من الحوادث الموثقة علميًا لظاهرة أضواء الزلازل، وهو اكتشاف قد يُساهم في تعزيز فهمنا لهذا اللغز الجيوفيزيائي النادر.