التراجع الأكبر لوظائف البرمجة منذ 40 عاماً! انكماش وظائف البرمجة بأكثر من 27% خلال 3 سنوات فقط

3 د
تشهد مواقع البرمجة في الولايات المتحدة تراجعًا بنسبة 27% منذ 2022 بسبب الذكاء الاصطناعي.
يركّز الذكاء الاصطناعي على مهام البرمجة الروتينية، مما يؤثر على وظائف المبرمجين المبتدئين.
تُظهر بيانات أن الذكاء الاصطناعي يستبدل التقنيين، بينما يظل المبدعون في أمان.
يحتاج قطاع التكنولوجيا إلى إعادة صياغة برامج التدريب لاستهداف مهارات إبداعية واستراتيجية جديدة.
يُعتبر التكيّف مع الذكاء الاصطناعي وتطوير المهارات الاستراتيجية وسيلة للتميز والتفوق المهني.
لا تزال موجة الذكاء الاصطناعي تغيّر وجه سوق العمل، وهذه المرة يجد المبرمجون أنفسهم في الخط الأمامي. فبحسب تقرير حديث نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، فقد انكمشت وظائف البرمجة في الولايات المتحدة بأكثر من 27% منذ عام 2022، وهو التراجع الأكبر منذ أربعين عاماً. ويؤكد التقرير أن هذا ليس مجرد تأثر مؤقت أو إعادة توازن للسوق بعد الجائحة، بل هو أول مؤشر حقيقي على استحواذ الذكاء الاصطناعي على المهام البرمجية الروتينية.
لكن، هل يعني هذا الاختفاء القريب لوظائف البرمجة التقليدية؟ الحقيقة مختلفة بعض الشيء. فعلى الرغم من الذعر الواضح بين أوساط المبرمجين الجدد وطلاب الجامعات المختصين في التكنولوجيا، تُظهر البيانات شيئاً مهماً يجب الانتباه إليه: فبينما هبطت وظائف البرمجة التقليدية بنسبة 27.5%، كان التراجع في وظائف تطوير البرمجيات أقل بكثير، بمعدل بسيط يبلغ 0.3%. هنا يكمن الاختلاف الأساسي الذي يجب على المهتمين معرفته: الذكاء الاصطناعي بدأ يستبدل التقنيين وليس المبدعين.
وهذا التمييز مهمٌ للغاية، خصوصاً بعد انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة مثل ChatGPT منذ نهاية 2022. فهذه الأدوات تتميز بسرعة مذهلة في إنجاز مهام كانت تأخذ ساعات من المبرمجين الصغار، ككتابة الأكواد الأولية، أو إصلاح الأخطاء، أو حتى تنفيذ اختبارات الأنظمة. والمعضلة الحقيقية هنا هي أن مثل هذه الوظائف عادة ما كانت أولى الدرجات في سلم مهنة البرمجة، ومصدراً لاكتساب الخبرة العملية للمبرمجين المبتدئين. واليوم، مع وجود الذكاء الاصطناعي، بدأ هذا السُلّم يفقد درجاته الأولى التي يحتاجها المبتدئون للمضي قدماً.
وهذا يربط بين الأتمتة التي يقودها الذكاء الاصطناعي والتغيير الجذري الذي سيطال المسار الوظيفي للمبرمجين الجدد. فبحسب تحليل نشرته صحيفة "ذا غارديان"، سيحتاج قطاع التكنولوجيا إلى إعادة صياغة برامج التدريب وبناء مهارات محدثة لتأهيل المبتدئين نحو مجالات إبداعية واستراتيجية لا تزال بعيدة عن متناول الذكاء الاصطناعي بشكل كامل.
ومن ناحية أخرى، يبدو واضحاً أن الذكاء الاصطناعي وحده ليس السبب الوحيد وراء هذه التغييرات، إذ يلعب اقتصاد السوق والتباطؤ المحتمل بعد طفرة التوظيف خلال فترة انتشار كورونا دوراً مهماً أيضاً. ولكنْ يبقى الذكاء الاصطناعي العامل الأكثر تأثيراً اليوم، إذ أنه شكل واضح من أشكال التحوّل الرقمي يجتاح الوظائف المكتبية ويعيد رسم خارطة التوظيف في التقنية بشكل غير مسبوق.
فهل لا تزال البرمجة خياراً جيداً للمستقبل؟ في الحقيقة، حسَب آراء الخبراء، لا تزال المسارات التقنية تعد خياراً واعداً، ولكن مع ضرورة تعديل زاوية النظر نحو مجالات أعمق وأكثر ابتكاراً، كالاهتمام بالتصميم، وتحليل النظم، والهندسة المعمارية للبرامج، بالإضافة إلى إدارة وتنظيم تطبيقات الذكاء الاصطناعي نفسها. هذه المجالات تبقى صعبة على الذكاء الاصطناعي وتحتاج إلى تفكير إبداعي وقدرة بشرية على حل المشكلات المعقدة.
ولعل الخوف من الذكاء الاصطناعي مفهوم وطبيعي، لكن الحل الحقيقي يكمن في مواجهته عبر إتقانه وفهمه بعمق. قد يكون المستقبل للتعاون بين الإنسان والآلة بدلاً من المواجهة بينهما. لذلك، فإن أفضل نصيحة تقدم للمبرمجين الجدد هي اعتبار الذكاء الاصطناعي وسيلةً لتطوير المهارات والتميز عن الآخرين عبر إتقان التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي واكتساب مهارات استراتيجية أعلى.
في رحلة البحث عن مستقبل أفضل في عالم يتحرك بسرعة البرق، قد يكون البدء بالتكيّف المبكر مع هذه التغيرات هو القرار الأصوب الآن— فهذا هو السبيل للتميّز في مستقبل يبدو فيه تمييز الإنسان عن الآلة أكثر ضرورة من أي وقت مضى.