الذكاء الاصطناعي ينتزع دور المهندسين: رقائق لاسلكية بتصاميم لا يفهمها البشر!

3 د
في تطور علمي مذهل، تمكن باحثون في الهندسة من إثبات قدرة الذكاء الاصطناعي على تصميم رقائق لاسلكية معقدة خلال ساعات فقط، وهو إنجاز كان يستغرق أسابيع عند تنفيذه بواسطة البشر. ولم تقتصر أهمية هذا الابتكار على سرعة الإنجاز، بل تجاوزها ليكشف عن نهج تصميمي غير مسبوق، قد يعيد تشكيل مستقبل هندسة الدوائر الإلكترونية.
نهج ثوري في التصميم الإلكتروني
ركزت الدراسة، التي نُشرت في 30 ديسمبر 2024 في مجلة Nature Communications، على رقائق الاتصال بتقنية الموجات المليمترية (mm-Wave)، وهي مكوّنات أساسية في أجهزة المودم المستخدمة في شبكات الجيل الخامس (5G). تُعد هذه الرقائق من بين أكثر العناصر تحديًا في صناعة الإلكترونيات نظرًا لحجمها الدقيق وتعقيد تصميمها.
تعتمد الشركات المصنعة حاليًا على مزيج من الخبرة البشرية، والتصاميم المخصصة، والقوالب المعتمدة في الصناعة. ومع ذلك، فإن عملية تطوير كل نموذج جديد تتطلب وقتًا طويلًا بسبب عمليات التجربة والخطأ، إذ أن تعقيد الدوائر يجعل من الصعب على المهندسين فهم جميع التفاصيل الداخلية للرقاقة.
ولكن في هذا البحث الجديد، اقترح علماء من جامعة برينستون ومعهد التكنولوجيا الهندي نموذجًا ذكائيًا اصطناعيًا يستخدم طريقة "التصميم العكسي"، حيث يتم تحديد النتيجة المطلوبة ويُترك للنظام الذكي تحديد المدخلات والمعايير المناسبة للوصول إليها.
نتائج مدهشة بتصاميم غير مفهومة للبشر
خلال التجارب، اعتبر الذكاء الاصطناعي الرقاقة كوحدة متكاملة، وليس كمجموعة من العناصر المنفصلة يجب دمجها، متجاهلًا بذلك القوالب التقليدية المستخدمة في التصميم. ونتج عن ذلك أشكال هندسية غير مألوفة، لدرجة أن مصممي الدوائر لم يتمكنوا من تفسير بنيتها.
يقول كوشيك سينغوبتا، أستاذ الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسوب في جامعة برينستون والمؤلف الرئيسي للدراسة:
"التصاميم التي ابتكرها الذكاء الاصطناعي تبدو عشوائية الشكل، ولا يستطيع البشر فهمها حقًا". لكن عند تصنيع هذه الرقائق واختبارها، أظهرت أداءً متفوقًا على جميع التصاميم التقليدية المعتمدة حاليًا.
التحديات والفرص المستقبلية
ورغم هذه النتائج المبشّرة، أشار الباحثون إلى أن هذه التكنولوجيا لا تزال تواجه تحديات تحتاج إلى تدخل بشري. فكما هو الحال مع بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي، يعاني النموذج المستخدم من "هلوسات"، حيث صمم بعض النماذج غير القابلة للتنفيذ.
يؤكد سينغوبتا أن
"الهدف ليس استبدال المهندسين البشريين، بل تزويدهم بأدوات جديدة تعزز الإنتاجية وتسريع الابتكار"
وأوضح أن هذه التقنية تفتح المجال لإنشاء تصاميم مخصصة ذات أهداف محددة، مثل تحسين كفاءة استهلاك الطاقة أو زيادة الأداء أو توسيع نطاق الترددات.
مستقبل هندسة الرقائق الإلكترونية
مع تزايد أهمية الرقائق اللاسلكية في عالم اليوم الذي يشهد تطورًا سريعًا في تقنيات الاتصال، يعد هذا البحث خطوة واعدة نحو مستقبل يعتمد فيه تصميم الدوائر على الذكاء الاصطناعي. ويرى سينغوبتا أن هذه الدراسة ليست سوى "قمة جبل الجليد"، إذ يمكن لهذا النهج أن يُحدث تحولًا جذريًا في طريقة تصميم الإلكترونيات مستقبلًا.