القردة قادرون على التمييز بين ما يعرفونه وما يجهله الإنسان.. وعي متقدم بمعرفة الآخرين!
![](/_next/image?url=https%3A%2F%2Fcdn.arageek.com%2Fnews-magazine%2FRising-economics-2025-02-05T103135.843.png&w=3840&q=75)
3 د
أظهرت الدراسة أن قردة البونوبو قادرون على إدراك جهل الآخرين واتخاذ قرارات بناءً على ذلك، وهي علامة على امتلاكهم لنظرية العقل.
كان البونوبو أسرع في الإشارة إلى مكان الطعام عندما كان الباحث يجهل موقعه، بمعدل استجابة أسرع بلغ 1,5 ثانية.
تدعم النتائج فرضية أن هذه القدرة ليست حكرًا على البشر، بل تعود إلى أسلاف تطوريين مشتركين مع القردة العليا.
تقدم الدراسة نظرة جديدة حول كيفية تطور التعاون والتواصل الاجتماعي لدى البشر من خلال إدراك الفروقات في المعرفة بين الأفراد.
كشفت دراسة حديثة أن البونوبو، أحد أقرب الأقارب للبشر، يتمتعون بقدرة ذهنية متقدمة تمكنهم من إدراك جهل الآخرين والتصرف بناءً على هذه المعرفة. هذه القدرة، المعروفة بـ "نظرية العقل"، تعد مهارة جوهرية في التواصل الفعّال والتعاون بين الأفراد، وهي ما يساعد البشر على فهم وجهات نظر الآخرين وتقدير مدى معرفتهم أو جهلهم بمعلومة معينة.
هل تمتلك القردة العليا نظرية العقل؟
لطالما كان التساؤل حول قدرة القردة العليا على امتلاك "نظرية العقل" موضوعًا للجدل العلمي. رغم بعض النتائج المتباينة في الدراسات السابقة، فإن هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن القردة، وخاصة الشمبانزي والبونوبو، تمتلك أشكالًا من هذه القدرة، ما يعني أن هذه المهارة ليست مقتصرة على البشر وحدهم، بل قد تكون أقدم من الناحية التطورية مما كان يُعتقد سابقًا.
على سبيل المثال، أظهرت دراسات سابقة أن الشمبانزي البري يصدر نداءات تحذيرية عند رؤيته لثعبان – حتى لو كان مجرد نموذج مزيف – بهدف تنبيه أفراد مجموعته الذين لم يروه بعد. ومع ذلك، فإن إثبات هذه القدرة في بيئات خاضعة للرقابة ظل يمثل تحديًا للعلماء.
تجربة علمية تثبت قدرة البونوبو على إدراك جهل الآخرين
للتحقق من هذه الفرضية، أجرى لوك تاونرو وكريستوفر كروبيني من جامعة جونز هوبكنز في ولاية ماريلاند تجربة على ثلاثة ذكور من البونوبو المقيمين في مركز أبحاث "Ape Initiative" بولاية آيوا الأمريكية. صُممت التجربة لاختبار ما إذا كان البونوبو قادرين على التعرف على جهل شخص آخر ومن ثم تقديم المساعدة بناءً على ذلك.
في التجربة، وُضعت ثلاثة أكواب بلاستيكية مقلوبة على طاولة بين أحد القردة وأحد الباحثين، بينما قام باحث ثانٍ بوضع حاجز يمنع رؤية الباحث الأول، ثم قام بإخفاء مكافأة غذائية – مثل عنب طازج – تحت أحد الأكواب.
- في الحالة الأولى، "حالة المعرفة"، كان هناك نافذة صغيرة في الحاجز سمحت للباحث الأول بمراقبة مكان وضع العنب.
- في الحالة الثانية، "حالة الجهل"، كان الحاجز كاملاً، مما منع الباحث من رؤية مكان المكافأة.
إذا تمكن الباحث من العثور على الطعام، فسيقدمه للبونوبو، مما أعطى القردة دافعًا لمساعدته عبر الإشارة إلى الكوب الصحيح.
نتائج مثيرة: البونوبو يتفاعلون بسرعة مع جهل الآخرين
عند تحليل البيانات المستخلصة من 24 تجربة لكل حالة، لاحظ الباحثون أن البونوبو كانوا أسرع في الإشارة إلى الكوب الصحيح عندما كان الباحث يجهل موقع الطعام، حيث قلّ وقت استجابتهم بمعدل 1.5 ثانية في المتوسط، كما أنهم أشاروا إلى الكوب الصحيح في 20% من المحاولات أكثر مقارنة بحالة المعرفة.
علق الباحث كريستوفر كروبيني على النتائج قائلًا:
"هذه الدراسة تثبت أن البونوبو لا يدركون فقط أن شخصًا آخر لديه منظور مختلف، بل إنهم قادرون على التصرف بناءً على هذا الفهم بطريقة تخدم التعاون."
دلالات الدراسة وأهميتها في فهم التطور البشري
ترى زانا كلاي، عالمة النفس التطوري في جامعة دورهام بالمملكة المتحدة، أن هذه الدراسة تقدم دليلًا تجريبيًا على القدرات المعرفية المتقدمة للبونوبو، لكنها حذّرت من أن نتائجها قد لا تكون قابلة للتعميم على جميع البونوبو، نظرًا لأن القردة التي تمت دراستها نشأت في بيئة قريبة من البشر. ومع ذلك، فإن وجود هذه القدرة لدى بعض البونوبو يشير إلى أنها متأصلة في بيولوجيتهم، وربما في بيولوجيا السلف المشترك بين البشر وأسلافهم من القردة العليا.
تعلق لورا لويس، الباحثة في جامعة كاليفورنيا – بيركلي، قائلة:
"تشير النتائج إلى أن أسلاف البشر الأوائل كانوا يمتلكون هذه القدرة أيضًا، مما ساعدهم على تعزيز التعاون والتنسيق فيما بينهم. فمن خلال القدرة على التعرف على جهل الآخرين بمعلومات حيوية مثل مواقع الغذاء، تمكنوا من تحسين فرصهم في البقاء والتكاثر."
استنتاجات
توفر هذه الدراسة دليلًا جديدًا على أن القدرة على إدراك جهل الآخرين واتخاذ قرارات بناءً على ذلك ليست حكرًا على البشر وحدهم، بل تمتد إلى أقرب أقاربنا من القردة العليا. يمكن لهذه النتائج أن تغير فهمنا لكيفية تطور المهارات المعرفية والاجتماعية لدى الإنسان، وتسلط الضوء على الجذور العميقة لتعاوننا وتواصلنا مع الآخرين.