“بلوسكاي” تخطّط للهيمنة على الإنترنت الاجتماعي: منصة بلا ملوك… وملايين المستخدمين ينضمون يومياً

4 د
تجاوزت"بلوسكاي" 34,6 مليون مستخدم وتبني بنية اجتماعية جديدة قائمة على بروتوكول مفتوح المصدر يُعرف بـ AT Protocol.
تسعى المنصة إلى تجاوز هيمنة الشركات المركزية من خلال تمكين المستخدمين من إنشاء هويات ومجتمعات رقمية مستقلة.
تتيح البنية المفتوحة لتطبيقات متعددة التفاعل ومشاركة المستخدمين والمحتوى، ما يجعل النظام الاجتماعي أكثر مرونة وديمقراطية.
تسعى "بلوسكاي" إلى تحقيق الاستدامة المالية عبر الاشتراكات والخدمات، مع الحفاظ على تجربة خالية من الإعلانات التقليدية.
في مشهد رقمي يتغيّر بوتيرة متسارعة، تتقدّم منصة "Bluesky" كأحد أبرز المشاريع الطامحة إلى إعادة تشكيل البنية التحتية للإنترنت الاجتماعي كما نعرفه. ولعل المفارقة الساخرة أن مقابلة مع الرئيسة التنفيذية لـ"بلوسكاي"، جاي غرايبر، جرت في يوم كئيب ضبابي في سياتل، لتتبدّد الغيوم في اللحظة التي وصلت فيها غرايبر، وكأنّ السماء تفسح المجال حرفيًا لاسمها – "لانتِيان"، والذي يعني "سماء زرقاء" بالصينية.
من مشروع داخل "تويتر" إلى منصة مستقلة برؤية مفتوحة
بدأت "بلوسكاي" كمشروع تجريبي أُطلق داخل شركة "تويتر" عام 2019، مدفوعًا برؤية مؤسس تويتر السابق جاك دورسي لإنشاء بروتوكول اجتماعي لامركزي يتيح للمستخدمين مزيدًا من التحكم. بعد سنوات من التجريب، أطلقت المنصة في عام 2023 على أساس الدعوة فقط، وسرعان ما تحولت إلى ملاذ لليساريين والليبراليين ومنتقدي دونالد ترامب، في وقت أصبح فيه "تويتر" المعروف سابقًا باسم "X" يميل إلى الخطاب اليميني المتطرف.
لكن جاي غرايبر، البالغة من العمر 34 عامًا، تصرّ على أن "بلوسكاي" ليست منصة سياسية أو نخبوية، بل مشروع تقني للجميع، يسعى إلى إعادة توزيع السلطة الرقمية.
بنية تحتية لامركزية: "بروتوكول الغلاف الجوي" (AT Protocol)
تعتمد المنصة على بروتوكول مفتوح المصدر يُعرف باسم "Atmosphere" أو "AT Protocol"، وهو إطار عمل يسمح لتطبيقات وخوادم مختلفة بالتفاعل فيما بينها وفق قواعد مشتركة أو مخصصة. وهذا يعني أن المستخدمين والمطورين يمكنهم إنشاء مساحات رقمية تتمتع بالسيادة، تتعاون أو تتعايش أو تنفصل عن بعضها حسب الحاجة.
هذا البروتوكول يشكّل الأساس الفلسفي والتقني لمشروع "بلوسكاي"، حيث لا يهيمن كيان مركزي على المحتوى أو التفاعل، بل تُبنى مجتمعات افتراضية مستقلة تتواصل ضمن منظومة موحدة.
توسّع سريع ومجتمع متنوع
حتى لحظة المقابلة، تجاوز عدد مستخدمي "بلوسكاي" 34.6 مليون مستخدم، مع فريق صغير نسبيًا يتوسع تدريجياً – من 20 موظفًا في نوفمبر الماضي إلى أكثر من 30 قريبًا. وتشير غرايبر إلى أن التركيز في المرحلة القادمة سيكون على أدوات جديدة كـ"المجتمعات" والتحقق من الهوية، لتوسيع نطاق المنصة وتحسين تجربة المستخدم.
الميزة التي تُشبه "رديت" في بلوسكاي، تتمثل في قدرة المستخدمين على إنشاء "تغذيات" (feeds) تشبه المجتمعات، تُدار وتُعدّل من قِبل خبراء أو أفراد لهم اهتمامات مشتركة. المنصة تعمل حاليًا على دمج هذه القدرات داخل التطبيق بدل الاعتماد على تطبيقات خارجية مثل SkyFeed وGraze.
هوية رقمية جديدة: ثورة على الطريقة التقليدية
أحد مفاتيح نجاح "بلوسكاي" يكمن في طرحها لنظام هوية يسمح للمستخدمين باستخدام نطاقات (domains) مثل "wired.com" كأسماء مستخدمين، ما يعزز الملكية الفردية للهوية الرقمية. وتقول غرايبر إن هذا النهج هو أقرب لروح الويب 1.0، ولكنه مُعاد تقديمه لزمن المنصات الاجتماعية.
تطبيقات جديدة مثل Skylight – البديل الشبيه بـ TikTok – تستخدم نفس البروتوكول المفتوح، ما يسمح للمستخدم بالانتقال من تطبيق لآخر دون خسارة المتابعين أو المحتوى، في بنية متكاملة تخدم الاستقلالية والتشبيك في آنٍ واحد.
التمويل والربحية: مسارات جديدة بعيدًا عن الإعلانات التقليدية
تموّل "بلوسكاي" عبر استثمارات رأسمالية من صناديق مهتمة بالابتكار التقني وليس فقط بالربحية السريعة. وتشير غرايبر إلى خطط مستقبلية لطرح اشتراكات مدفوعة، بالإضافة إلى دعم خدمات مطورين وشبكات إعلانية بطريقة مختلفة تمامًا عن "فيسبوك" أو "إنستغرام"، ما يمنح مزيدًا من الحرية للتجربة دون التضحية بالخصوصية أو الاستقلالية.
المثير للاهتمام أن العديد من المنصات الإعلامية الكبرى باتت ترى في "بلوسكاي" مصدرًا قويًا لجلب الزيارات، بل وتتفوّق أحيانًا على منصات أكبر من حيث نسب النقر والتحويل.
منصة مفتوحة للجميع… بمن فيهم دونالد ترامب
رغم انطلاقها من أوساط ليبرالية، تؤكد غرايبر أن "بلوسكاي" ليست حكرًا على فئة أو تيار سياسي معين، بل هي بنية مفتوحة تسمح للمستخدمين بضبط تفضيلاتهم في الرقابة والمحتوى حسب مجتمعاتهم، حتى وإن كان المستخدم هو الرئيس دونالد ترامب.
جدل الحوكمة والمحتوى: كيف تنظم الفوضى في عالم بلا ملوك؟
تقرّ غرايبر بوجود توترات دائمة في ما يتعلّق بمسألة الرقابة على المحتوى، لكنها ترى أن "بلوسكاي" تقدم نموذجًا جديدًا: "حرية التعبير، لا حرية الوصول". بمعنى أن أي شخص يمكنه نشر ما يشاء، لكن المنصة نفسها تقرر من يصل صوته إلى العامة، ما يخلق توازناً جديدًا بين التعبير الفردي والمسؤولية الجماعية.
نظرة أبعد من الإنترنت: هل نبني الآن دولة رقمية جديدة؟
ترى غرايبر أن "بلوسكاي" لا يقتصر على كونه مشروع منصة تواصل، بل هو جزء من بنية تحتية مدنية رقمية، قد تسهم لاحقًا في تغيير شكل الحوكمة والمشاركة العامة. فإذا كانت وسائل التواصل اليوم هي المصدر الرئيسي للأخبار والتفاعل، فإن جعلها أكثر ديمقراطية قد يكون مفتاحًا لمستقبل اجتماعي أكثر عدالة وتعدديّة.
النهاية ليست "بلوسكاي"
رغم كونها الرئيسة التنفيذية للمنصة، تؤمن غرايبر أن البروتوكول سيستقل يومًا ما عن التطبيق الأصلي. "بلوسكاي"، كما تقول، ليست الوجهة النهائية، بل مجرد بداية لمجموعة من التطبيقات والخدمات التي ستبنى فوق هذه البنية الجديدة.