بين النظرية والتطبيق: هل يمكن للعلماء إعادة خلق أول كائن حي؟

3 د
اقترب باحثون من جامعة كوليدج لندن من فهم كيفية نسخ جزئيات RNA لنفسها.
يفترض عالم الحمض النووي الريبوزي بدء الحياة بجزيئات RNA قبل 4 مليارات سنة.
تمكن العلماء لأول مرة من محاكاة تكرار RNA في المختبر.
توقعات بأن الحياة بدأت في بحيرات أو مستنقعات مياه عذبة حرارية.
تستمر الأبحاث للإجابة على كيفية تحول الطبيعة إلى نظام حي قادر على الاحتفاظ بالمعلومات.
على مدار عقود طويلة، حُيرت البشرية بسؤال واحد عميق للغاية: كيف بدأت الحياة على سطح الأرض؟ إنه السؤال المحوري الذي شغل بال الفلاسفة ورجال الدين، وفي عصرنا الحالي، العلماء أيضًا. في آخر مستجدات هذه المسألة، اقترب باحثون من جامعة كوليدج لندن (UCL) ومختبر البيولوجيا الجزيئية في كامبريدج، من فهم الطريقة التي ربما تمكنت بها جزئيات الحمض النووي الريبوزي (RNA) من نسخ نفسها، في بداية الحياة الأولى على كوكبنا.
ويأتي هذا الاكتشاف ضمن الفرضية الشائعة علميًا والمعروفة باسم "عالم الحمض النووي الريبوزي"، التي تفترض بأن الحياة بدأت قبل حوالي 4 مليارات سنة عن طريق جزيئات RNA قادرة على التكرار الذاتي حتى قبل ظهور الحمض النووي (DNA) والبروتينات. لكن التحديين الرئيسيين ظلا دون حل: أولهما، عدم وجود أي أثر حالي لهذه الجزيئات البدائية في الكائنات الحية المعروفة، وثانيهما عجز العلماء سابقًا عن إعادة إنتاج تكرار الـ RNA في ظروف مشابهة لما كانت عليه البيئة على الأرض القديمة.
وفي خطوة قد تمهد لفهم أعمق لكيفية انطلاق الحياة، أعلن العلماء في دراستهم المنشورة حديثًا في المجلة المرموقة "نيتشر كيميستري"، أنهم تمكنوا لأول مرة من محاكاة هذا التكرار بشكل مقنع داخل المختبر. استخدم الفريق وحدات ثلاثية صغيرة تسمى "trinucleotides"، وهي شبيهة بمكعبات البناء الصغيرة المكونة لجزيئات الـ RNA، وتم إخضاعها إلى ظروف قريبة مما يُعتقد أنه ساد الأرض وقتها: وسط مائي تمت إضافة الحمضية والحرارة إليه، ومن ثم تجميده.
وكانت المفاجأة السارة للعلماء، فهذه الظروف الطبيعية الناتجة في الفجوات الصغيرة بين بلورات الجليد، كانت فعالة للغاية. حيث تمكنت هذه "المكعبات البنائية" من تثبيت جدائل الحمض النووي الريبوزي منفصلة، ما منع تكوين الشكل المزدوج المعتاد والصعب التكرار. وبعد إحداث تغيرات تدريجية في الظروف والحرارة، بدأت هذه الجزيئات في التضاعف بشكل غير مسبوق. يوضح الباحث الرئيسي جيمس آتووتر من جامعة كوليدج لندن أن هذه الظروف قد تكون مشابهة لما يحدث بشكل طبيعي مع تبدل الليل والنهار على الأرض، أو قرب الأحواض الحرارية حيث تلتقي الصخور الساخنة بالهواء البارد.
وقاد هذا الاكتشاف المبدئي قاد العلماء لاستنتاج أن السيناريو المرجح لظهور الحياة الأولى ربما كان على أطراف بحيرات أو مستنقعات بالمياه العذبة الحرارية، لأن بيئة الماء المالحة أثبتت تعطيلها لهذه العملية بسبب الأملاح التي تعوق عملية التجميد والتكرار. ومع أنهم حتى الآن تمكنوا من نسخ حوالي 17% فقط من طول سلسلة الـ RNA، يثق الباحثون بأنهم سيتجاوزون هذه العقبة قريبًا مع تحسين الأداء الأنزيمي للمختبر.
وهذا يدعم كل الجهود السابقة من مختبرات معروفة عالميًا، مثل مجموعة UCL البحثية التي كانت قد درست سابقًا العمليات الكيميائية القديمة التي أنتجت تلك المركبات الأولية التي شكلت لاحقًا الحمض النووي الريبوزي. وتأتي هذه التطورات الجديدة مكملة لهذه المساعي، ومحاولة لتقديم سيناريو علمي واضح لطريقة تشكل نسخ الجينات البدائية بصورة طبيعية، وهو ما يميز الحياة عن الكيمياء غير العضوية.
وفي نهاية المطاف، فإن كل هذه الأبحاث تحاول الإجابة عن سؤال محوري: كيف انتقلت الطبيعة من كيمياء بسيطة إلى نظام حي قادر على الاحتفاظ بالمعلومات الوراثية ونقلها من جيل إلى آخر؟ ربما لم يتمكن العلماء بعد من فك كافة ألغاز هذا السؤال بشكل كامل، ولكن التجارب الأخيرة تقربهم خطوة مهمة نحو تفسير كيفية تشكيل أول صورة للحياة على كوكبنا.
في النهاية، يبقى هذا الموضوع أحد أكثر الرحلات العلمية إثارة وترقبًا، مع استمرار البحث والاكتشاف عن أصول الحياة—رحلة ما تزال مفتوحة الأمام وتحمل الكثير من الإثارة العلمية والاكتشافات المستقبلية. وربما من الأفضل استبدال عبارة مثل "ظلّا دون حل" بعبارة أقوى وأكثر تفاؤلاً مثل "لا يزال العلماء يبحثون عن إجابات لها"، والتركيز أكثر على ربط خطوات البحث الحالية بما سبقها من أبحاث، وذلك للحفاظ على سلاسة وحيوية القراءة وتعزيز الفهم بوضوح للقارئ.