جيل Z يسأل… وChatGPT يجيب! وسام ألتمان يرى الأمر ذكاءً محفوفًا بالمخاطر

4 د
يستخدم جيل الشباب ChatGPT لاتخاذ قرارات حياتية مهمة، مثل تغيير الوظيفة.
تنامت ثقافة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بين جيل "زد" والتعامل معه كصديق افتراضي.
يُعتبر ChatGPT بديلاً محتملاً لمشورة الأصدقاء أو العائلة، لأسباب تتعلق بالخصوصية والتكلفة.
تواجه الثقة المفرطة به مخاطر مثل النصائح غير الصحيحة والمشاعر الزائفة.
يبقى البحث عن التوازن بين الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والحفاظ على العلاقات الإنسانية أمرًا حيويًا.
هل سبق أن فكرت أن تتوجه إلى تطبيق في هاتفك لاتخاذ قرار مصيري، مثل تغيير الوظيفة أو التعامل مع علاقة عاطفية معقدة؟ قد يبدو الأمر غريباً للبعض منا، لكن بحسب تصريح سام ألتمان، المدير التنفيذي لشركة OpenAI المسؤولة عن تطوير ChatGPT، فإن جيل الشباب حالياً يستخدم هذه الأداة الذكية لاتخاذ قرارات حياتية كبيرة ومتعددة، ما يجعل ChatGPT بمثابة مستشار شخصي، أو ربما "صديق رقمي" يرافق خطواتهم ويخفف حيرة الاختيار.
في حديثه خلال فعالية "AI Ascent" التي نظمتها شركة سيكويا كابيتال للاستثمارات التقنية، أوضح ألتمان أن جيل "زد" (Gen Z) يثق بشكل ملحوظ في ChatGPT، حيث يسألون التطبيق عن كافة جوانب حياتهم، بدءاً من تقييم رسائل البريد الإلكتروني، وصولاً إلى أخذ المشورة حول قرارات مهنية أو اجتماعية هامة. في الحقيقة، لم يعد استخدام الذكاء الاصطناعي مقتصراً على الحاجة المهنية أو التعليمية فحسب، بل توسّع ليشمل القرارات الشخصية والمصيرية أيضاً.
وهذا يقودنا إلى السؤال المهم: لماذا باتت ثقافة جيل "زد" تحديداً تميل نحو الاعتماد على تطبيق ذكي بدلاً من اللجوء للأصدقاء أو العائلة أو الخبراء؟ السبب قد يكمن في عوامل كثيرة، مثل نشأة هذا الجيل منذ طفولته وسط اتصال دائم بالعالم الرقمي، بالإضافة إلى ظروف اقتصادية غير مستقرة وتحديات مناخية متزايدة، ما جعل الشاب منهم يجد في هذا الصديق الافتراضي ملاذاً آمناً ومتاحاً على مدار اليوم، دون أي تكلفة أو إحراج.
لكن الحقيقة أن تلك الظاهرة لم تقتصر على الجيل الأصغر فحسب. بحسب ألتمان، فإن الأشخاص في الثلاثينيات وحتى الأربعينيات أيضاً يستخدمون ChatGPT بدرجات مختلفة؛ بينما يعامل الشباب الصغار هذه الأدوات كأنظمة تشغيل يومية، فإن المستخدمين الأكبر عمراً يتعاملون معها كبديل ذكي لمحركات البحث التقليدية، مثل غوغل – إلا أن الهاجس يبقى نفسه: هل يقدم التطبيق نصيحة حكيمة بالفعل، أم أنه مجرد محاكاة رقمية للعقل البشري، دون أن يمتلك أي إحساس أو خبرة حياة حقيقية؟
لا تمنع تلك الفوارق الدقيقة في استخدام التطبيق وجود إيجابيات حقيقية يقدمها ChatGPT. فهو متاح دائماً ولا يحتاج إلى مواعيد أو تكاليف استشارية مرتفعة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ChatGPT يوفر لمستخدميه خصوصية مطلقة؛ فلا داعي للقلق من الإحراج أو الحكم السلبي من قبل الآخرين، خاصة عند مناقشة موضوعات شخصية معقدة مثل الصحة النفسية أو العلاقات الاجتماعية أو القرارات المستقبلية. كما يمكن لهذه الأدوات أن تعزز لدى المستخدم القدرة على التفكير الذاتي (الميتاكوجنيشن)، من خلال طرح أسئلة نقدية أو إعادة صياغة الأفكار، ما يساعد على التوصل إلى حلول شخصية أكثر وضوحاً.
وفي المقابل، يبقى الخطر الأساسي في هذه الأدوات مرتبطاً بالثقة المفرطة في قدراتها. فعلى الرغم من كون ChatGPT يبدو حساساً ومتفهماً أحياناً، فهذا لا يعني امتلاكه خبرات حياة واقعية أو مشاعر حقيقية. فهو مبني على خوارزميات تعتمد على كم هائل من البيانات التي يتم استقاؤها من الإنترنت، بما فيها من تحيزات اجتماعية وثقافية وتأثيرات سلبية وإيجابية. كما أن الذكاء الاصطناعي قادر على "الهلوسة"، وهي ظاهرة تقنية تتمثل في تلفيق معلومات غير صحيحة؛ إضافة إلى كونه يميل أحياناً إلى الإفراط في التفاؤل، ما قد يؤدي إلى قرارات غير مدروسة أو متهورة.
ويثير الاعتماد المتزايد على هذه الأدوات الرقمية مخاوف نفسية أيضاً. فالبعض يرى أن الحصول على نصيحة رقمية سريعة ومجردة من سياقها العاطفي والاجتماعي قد يجعل الإنسان يفقد القدرة مع الوقت على بناء علاقات اجتماعية عميقة وحقيقية مع الآخرين، ويزيد من الشعور بالوحدة والعزلة الداخلية. ثم إن حدوث مشكلة أو سوء تقدير من قبل التطبيق يثير تساؤلاً هاماً: من يتحمل المسؤولية إذا تسبب قرار مبني على نصيحة رقمية في ضرر حقيقي؟
تستدعي هذه التساؤلات نقاشاً جاداً ليس فقط حول استخدام ChatGPT، بل حول طبيعة حياتنا الرقمية بشكل أعم. فالمخاوف لا تكمن فقط في مخاطر التكنولوجيا بقدر ما تكمن في العالم المتغير الذي يحولنا تدريجياً نحو الاستعانة بالخوارزميات بدل الحوار الإنساني التقليدي والمناقشات مع الأصدقاء والأهل والزملاء.
علينا إذاً أن نقيّم بوعي وعقلانية مدى اعتمادنا على هذه الأدوات الذكية. بالطبع، ليس المطلوب منا الاستغناء عنها تماماً، بل أن نعرف جيداً متى وكيف نستفيد منها بطريقة ذكية. ربما من الأفضل أن نشجع المستخدمين على طرح السؤال الأبسط والأكثر جدوى قبل الاستعانة بنصيحة من ChatGPT: لماذا اخترت التوجه إلى الذكاء الاصطناعي؟ هل أقوم بتفادي مواجهة ما، أم أني أبحث عن إجابة مريحة لن تعارض قناعاتي؟
هذه الأفكار قد تحمل إجابات صادقة تساهم في تحقيق توازن أفضل بين تجاربنا الإنسانية والتطور الرقمي الذي نعيشه. باختصار، ومن دون الوقوف موقف التحذير المطلق أو التحمس المفرط، من المهم التعامل بحكمة مع ChatGPT وأدوات الذكاء الاصطناعي المماثلة، بحيث نضمن تحقيق أقصى استفادة منها دون أن نُغفِل التواصل الإنساني الحقيقي.