خلايا شمسية من غبار القمر: طاقة تفوق الخلايا الأرضية بـ100 مرة ووزن أخف بنسبة 99%… هل اقترب عصر العيش على القمر؟

طور علماء خلايا شمسية جديدة مصنوعة من غبار القمر المحاكى، ما قد يخفض اعتماد البعثات القمرية على المواد الأرضية بنسبة تصل إلى 99%.

تستخدم التقنية مادة "زجاج القمر" المصنوعة من غبار القمر كمادة حاملة وواقية لخلايا بيروفسكايت عالية الكفاءة.

تتميز هذه الخلايا بقدرتها على إنتاج طاقة أعلى بكثير لكل غرام، بالإضافة إلى مقاومة طبيعية للإشعاع الفضائي.

رغم التحديات البيئية والكيميائية، يخطط الباحثون لاختبار هذه الخلايا في مهمة مستقبلية على سطح القمر.

في خطوة قد تغيّر ملامح استكشاف الفضاء، نجح فريق بحثي دولي في تطوير خلايا شمسية تعتمد على غبار القمر بدلًا من المواد الأرضية، في ابتكار يَعِد بخفض تكاليف نقل المعدات إلى القمر بنسبة تصل إلى 99%، ويُمهّد الطريق نحو إنشاء قواعد بشرية مستدامة خارج كوكب الأرض.

بحسب دراسة نُشرت في مجلة Device العلمية في 3 أبريل 2025، قام العلماء بتحويل مادة "الريغوليث الأنورثوسيتي" – وهي نوع من الغبار والصخور المنتشرة في مرتفعات القمر – إلى مادة تُعرف باسم "زجاج القمر" (Moonglass)، واستُخدمت هذه المادة كأساس وطبقة واقية لخلايا شمسية عالية الكفاءة من نوع بيروفسكايت. وتُعتبر هذه الخلايا أحد أكثر أنواع الخلايا الشمسية كفاءة وأقلها تكلفة في التصنيع.


من الكلفة الباهظة إلى الاستدامة القمرية

لطالما اعتمدت البعثات الفضائية على خلايا شمسية تقليدية متطورة تصل كفاءتها إلى 30-40%. إلا أن هذه الكفاءة العالية تأتي بتكلفة باهظة ووزن ثقيل، ما يجعل إطلاقها إلى الفضاء مكلفًا ومعقدًا. في هذا السياق، أوضح فيليكس لانغ، الباحث الرئيسي في جامعة بوتسدام بألمانيا، أن الخلايا الشمسية الحالية رغم كفاءتها، إلا أنها تحتاج إلى مواد ثقيلة مثل الزجاج السميك، مما يضيف عبئًا هائلًا على عمليات الإطلاق الفضائي.

لكن التقنية الجديدة القائمة على غبار القمر تُحدث تحولاً جذرياً: يمكنها تقليل كتلة الخلايا الشمسية المطلوب إرسالها من الأرض بنسبة تصل إلى 99.4%، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على خفض التكاليف اللوجستية بنحو 99%. ويعني ذلك أن إنتاج الطاقة اللازمة للمهمات القمرية أو حتى المدن القمرية المستقبلية قد يتم محليًا، دون الاعتماد على سلسلة التوريد الأرضية.


كيف يعمل زجاج القمر؟

قام الباحثون بصهر غبار القمر المُحاكى في المختبر وتحويله إلى زجاج، ثم دمجه مع بلورات بيروفسكايت، المعروفة بفعاليتها العالية في تحويل الضوء إلى كهرباء. النتيجة: خلايا شمسية قادرة على توليد طاقة أكبر بـ100 مرة لكل غرام مقارنةً بالخلايا الشمسية التقليدية المصنّعة على الأرض.

يقول لانغ، موضحًا أن الكمية تعوّض عن الكفاءة، خصوصًا عندما تتوفر المواد الخام في الموقع:


"عندما تقلل الوزن بنسبة 99٪، لن تحتاج إلى خلايا شمسية ذات كفاءة 30٪، بل يمكنك تصنيع عدد أكبر منها على سطح القمر"


مقاومة طبيعية للإشعاع الفضائي

واحدة من المشكلات الكبرى التي تواجه تقنيات الطاقة في الفضاء هي الإشعاعات الشمسية والكونية، التي تُضعف أداء الخلايا الشمسية بمرور الوقت. إلا أن زجاج القمر، بفضل الشوائب الطبيعية الموجودة في غبار القمر، يتمتع بلون بني خفيف يعمل كعامل استقرار بصري، ويمنع حدوث التعتيم التدريجي الذي يُصيب الزجاج العادي تحت تأثير الإشعاعات.

هذه الميزة الفريدة تمنح الخلايا المصنوعة من زجاج القمر قدرة أعلى على مقاومة الإشعاعات، مما يُطيل عمرها ويزيد من موثوقيتها في الظروف القاسية للفضاء.


تحديات أمام التصنيع على سطح القمر

رغم هذا التقدم اللافت، لا يزال أمام العلماء العديد من التحديات التقنية والفيزيائية قبل اعتماد هذه التقنية على نطاق واسع. إذ إن الجاذبية المنخفضة للقمر قد تؤثر على طريقة تبلور زجاج القمر وتكوينه البصري. كما أن الفروقات الحادة في درجات الحرارة بين النهار والليل القمري – التي تتراوح من أكثر من 100 درجة مئوية إلى أقل من -170 درجة – قد تشكّل تهديدًا على متانة الخلايا الشمسية.

أما من الناحية الكيميائية، فإن المذيبات المستخدمة عادة في معالجة خلايا البيروفسكايت على الأرض قد لا تعمل بالطريقة نفسها في بيئة القمر الخالية من الهواء، مما يتطلب تطوير طرق تصنيع جديدة متوافقة مع الظروف القمرية.

ورغم هذه العقبات، يواصل الفريق البحثي تطوير مشروع تجريبي مصغّر لاختبار كفاءة الخلايا الشمسية في بيئة القمر الحقيقية خلال مهمة مستقبلية.


خطوة نحو استقلال القواعد الفضائية عن الأرض

في السنوات الأخيرة، كثرت المشاريع الهادفة إلى استغلال موارد القمر في بناء البنية التحتية الفضائية، من استخراج الماء واستخدامه كوقود، إلى بناء مساكن من الطوب القمري. والآن، بإضافة الطاقة إلى هذا السجل، تصبح فكرة إنشاء مستوطنات بشرية مكتفية ذاتيًا على سطح القمر أقرب إلى التحقق.

يختم لانغ، في إشارة إلى أن هذا الابتكار قد يشكّل محطة مفصلية في مساعي البشرية نحو العيش خارج الأرض.


"لطالما حاولنا الاستفادة من غبار القمر في أمور عدة، والآن يمكننا تحويله إلى خلايا شمسية أيضاً"